مع انتشار منصات العرض الإلكترونية وتنوع أسمائها، وكذلك إقبال الجمهور عليها، أصبح هناك سؤال مهم يتردد بين الاعلاميين والنقاد، وهو هل ستصبح هذه المنصات بديلة عن السينما والتلفزيون؟.. وتتحول شاشة التليفزيون من وسيلة إلي وسيط عرض فقط؟ في ظل تحقيق هذه المنصات نسبة مشاهدة عالية! من خلال سطور هذا التحقيق سوف نتعرف علي مستقبل هذه المنصات والسر الحقيقي وراء انتشارها الواسع.
أكدت دكتورة سوزان القليني عميدة كلية الآداب جامعة عين شمس الأسبق وأستاذ الإعلام ورئيس لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة علي أن هناك ما يسمي دورة حياة الوسيلة، فعندما تظهر الوسيلة تكون غالية الثمن ونسبة التعرض إليها قليلة جداً، لأن الجمهور ينتظر قياس فائدتها وانعكاسها علي الآخرين، وأيضا لأنه لا يستطيع اقتنائها إلا من يستطيع أن يدفع ثمنها، بعد فترة يزيد التعرض للوسيلة ويقل سعرها وبالتالي تحقق انتشارا جماهيريا مثلما يحدث الآن بالنسبة لوسائل الإعلام.
انتقائية التعرض
وأضافت القليني قائلة: السبب في سهولة استبدال المنصات الإليكترونية بالوسائط التقليدية هو قدرتها علي منح الجمهور حرية اختيار وقت مشاهدة المادة الإعلامية التي يريدها بسهولة، وهنا يوجد شقان شق اختيار وقت التعرض، وشق اختيار المادة، بمعني عدم فرض وقت محدد علي الجمهور ولا عمل معينا بالإضافة إلي مشاهدة العمل كاملا بدون إعلانات، أي عدم قطع استمرار الانغماس في المشاهدة، وهناك نقطة أخري مهمة وهي المنافسة بين المنصات فأصبح هناك “وتشيد إن، ونت فليكس” إلخ ومع الوقت ستظهر شبكات أخري مع زيادة المنافسة ستقل الأسعار مما يؤدي إلي مزيد من تعرض الجمهور ومع الوقت سيتحول الجمهور من وسائل الإعلام التقليدية وأيضا من الوسائل الجديدة مثل “الانترنت ووسائل التواصل الإجتماعي” إلي هذه المنصات لأنها تحقق للجمهور متعة أكبر بكثير جداً، وهذا شيء طبيعي لأننا نعيش في عصر يسمي “التحول الرقمي”
وفي نفس السياق أشارت القليني إلي أن هذه المنصات لديها مقدرة لتتحمل تكاليف العرض الأول لكثير من الأعمال وسوف تنافس بجدارة عندما تحقق شكلا من أشكال الانتشار الجماهيري الكبير ويصبح لديها دخل كبير. فعلي سبيل المثال “وتشيد إن” في رمضان كانت تذيع المسلسل الذي يذاع الساعة الثامنة في الساعة الثانية عشرة و تعرض الحلقة كاملة، وهذا يحقق لها جذبا جماهيريا كبيرا فما الذي يمنع المشاهد من متابعة الحلقة في الساعة الثانية عشرة كاملة، بعدما ينتهي من جميع أعماله وهو علي حريته ويختار العمل الذي يريد رؤيته.
واستطردت القليني قائلة ومع ذلك تأثير هذه المنصات علي التليفزيون يختلف كثيراً عن تأثيرها علي السينما في عملية الإحلال، فسوف يكون تأثيرها علي التليفزيون أكثر بكثير جداً من تأثيرها علي السينما، حيث إن سمات السينما المتعة التي تجمع بين الترفيه والحركة من حيث النزول والذهاب إليها ومشاهدة العرض وهذا يختلف عن التليفزيون، فهذه المنصات تعتبر بديلا للتليفزيون لأنها تعرض نفس المادة نشاهدها علي نفس الوسيلة ونحن في منازلنا ولكن مع إمكانية اختيار الوقت والمحتوي.
وفي نفس السياق قالت الناقدة ماجدة موريس إن المنصات الإليكترونية سوف تؤثر بالتأكيد علي الوسائل التقليدية، فأصحاب هذه المنصات شاهدوا ما يحدث للمشاهد بسبب كثرة الإعلانات حيث وصل الأمر أن الجمهور أصبح لا يشاهد مسلسلا دراميا تتخلله فواصل إعلانية بل أصبح يشاهد مسلسلا إعلانيا يتخلله بعض المشاهد الدرامية، فوصل بنا الحال إننا نشاهد حلقة لا تزيد عن 20 دقيقة والمفروض إنها 35 أمامها ساعة ونصف أو ساعتين إعلانات وهذا يصيب أي إنسان بالملل والضيق، حتي إن كان محبا للفن وللدراما وبالتالي سيبحث عن أي وسيلة أخري ولقد وجدها في “اليوتيوب” قبل أن يصاب أيضاً بداء الإعلانات، وبالتالي ظهرت هذه المنصات من أجل أن تحل لنا هذه المشكلة، من خلالها يستطيع الجمهور بمقابل مادي مشاهدة مسلسلات لم تُعرض في التليفزيون من قبل بجانب المسلسلات التي تم عرضها وبدون إعلانات أو مع وجود إعلانات خفيفة جداً وفي النهاية لن تشعره بالغربة وبأنه انتظر أمام التليفزيون من أجل أن تتلقفه وحوش الإعلان وتعتبره مطية لهم.
الحظر الكوروني
بالطبع هذه المنصات حلت مشكلة كبيرة للناس، وخصوصاً وقت الحظر حيث زاد عليها الإقبال بشكل كبير، لأن قطاعا كبيرا من الجمهور أصبح يجلس طوال اليوم في المنزل، وبالتالي الإعلام يمثل لهم “حائط الصد” الذي يمكنهم من رؤية ناس آخرين يتحركون ويعيشون ويأكلون، إلي جانب إن هذه المنصات حريصة في مرحلتها الأولي أن تفعل أو تبحث عن أشياء جيدة بصرف النظر عن “وتشيد” التي يعتقد أصحابها إن أهم شيء هو الضرب بكل أنواع الأسلحة طالما أن هناك مشاهدين من الشباب، لكن “شاهد” لم يفعل ذلك لأن لديه خبرات طويلة جدا وكذلك “نت فليكس” رغم أن لديهم مسلسلات بها عنف. لكن التركيز علي العنف فقط يعني أن المسئول عن المنصة لا يري جمهورا سوي الشباب وليس لديه أدني فكرة إن الحظر الكوروني أجلس ملايين من كبار السن والمتوسطين في البيت.
واستطردت ماجدة قائلة هذه المنصات بها إعلانات أيضا لكن ليس بنفس النسبة الموجودة بالتليفزيون.وأضافت قائلة: إنها تتوقع أن السوق سوف يتم ضبطه مستقبلياً فحاليا يوجد صراع من أجل الاستحواذ علي أموال المشاهد، لكن المشاهد عندما يشعر إن هناك استغلالا فظيعا له ببساطة شديدة، سوف يبحث عن شيء آخر للترفيه عن نفسه حتي إذا وصل به الأمر إلي أن يغني لنفسه في البيت، لكن الأحساس بأن هناك من يتعمد استغلاله فهذا أحساس سيء وصعب. والناس تتبادل الخبرات فيما يتعلق بالاستغلال والحقيقة أن هناك حدا أقصي للاستغلال، والناس يمكن أن تستغني بسهولة.
سحر السينما
تحدث كمال رمزي الناقد السينمائي قائلاً: بالتأكيد هذه المنصات سوف تؤثر علي الوسائل التقليدية المتعارف عليها، أنما لا يزال حتي الآن للسينما “دور العرض”سحرها، فهناك ما يسمي التهيىء النفسي، والفرق بين مشاهدة الأفلام أو الدراما والمشاهد جالس بالمنزل وبين أن المشاهد يقوم ويلبس ويستعد ويختار دار العرض، فهذا التهيىء النفسي مهم جدا وهذا لا يتأتي إلا في دار العرض، لكن بالتأكيد مسألة المنصات سوف تؤثر لأن هناك قطاعا لا يستهان به لديه استعداد أن يستغني عن التهيىء النفسي في سبيل انه لا ينزل حتي لا يتكلف مواصلات كما إن ثمن التذكرة أصبح مرتفعا جداً بشكل يصعب أن تتحمله أسرة من الطبقة المتوسطة مكونة من أربعة أو خمسة أشخاص.
واستطرد رمزي قائلاً: ولكن هذه المنصات لن تستطيع أن تقضي علي دور العرض. وبالنسبة للتلفزيون مؤكد إنها سوف تؤثر تأثيرا قويا جداً، خاصة في الفترة التي نعيشها حالياً فالتلفزيون المصري بقنواته المتعددة، يمكن أن نسميه بدون تجني تلفزيون طارد للمشاهد، فبعد ساعتين من مشاهدة التلفزيون المصري وقنواته المتعددة نشعر بأنه وقت مهدر، كما أن التلفزيون الرسمي ليس له جمهور عريض بسبب عدم وجود تجديد أو تطوير ولا جرأة في طرح القضايا وبالتالي هذه المنصات سوف تؤثر تأثيرا قويا جدا علي القنوات التليفزيونية.
http://alahalygate.com/?p=127713