يمكن القول بأن العنصرية مثّلت الموضوع الأكثر حضوراً على موائد الجدل الفكري في النصف الثاني من هذا العام، بعد مقتل المواطن الأميركي جورج فلويد على يد أفراد شرطة بيض. هذا الحضور خلق طلباً على الأعمال التي تناولت ظاهرة العنصرية، وتعدّ الترجمة من بين المؤشّرات التي تدلّ على رغبة كلّ ثقافة في إكمال نواقصها.
تشهد فرنسا اهتماماً خاصاً خلال الشهرين الماضيين بترجمة أعمال في مجالات متعدّدة تتناول العنصرية مثل التاريخ وعلم الاجتماع والدراسات الثقافية. ومن أبرز هذه الأعمال التي جرت ترجمتها، وصدرت مؤخراً، كتاب "الهشاشة البيضاء" للباحثة الأميركية روبين دي أنجيلو، حيث صدر العمل عن "منشورات ليزالرين".
العمل صدر أول مرة في 2018، ومثّل أحد أكثر الكتب إثارة للنقاش في السنوات الأخيرة، حتى أن البعض اعتبره العمل الذي وضع دي أنجيلو في دائرة الاهتمام الإعلامي الواسع بعد أن كانت تتحرّك في دوائر أكاديمية ضيقة. كما عقدت مقارنة بين جرأة هذا العمل وكتاب "إستراتيجية الصدمة" لـ نعومي كلاين من حيث قدرتهما على خلخلة المغالطات ضمن خطاب علمي رصين.
يشير الناشر بشكل صريح إلى أن سبب التعجّل في ترجمة ونشر كتاب "الهشاشة البيضاء" يعود إلى سببين: الأول داخليّ في فرنسا وهو الطلب على كتب تفكّك العنصرية، والثاني يعود إلى النجاح الكبير الذي حقّقه كتاب دي أنجيلو على مستوى المبيعات، حتى أننا نقرأ على غلاف الكتاب هذه العبارة الترويجية: "دليل مناهضة العنصرية الذي يقف على رأس قائمة الأكثر مبيعاً في أميركا".
على صعيد المضمون، ينطلق كتاب الباحثة الأميركية من سؤال بسيط ولكنه محرج: "لماذا يكون الحديث عن العنصرية صعباً لدى البيض؟" حيث تلاحظ هيمنة ذوي الأصول الأفريقية أو المشرقية على التيارات النقدية التي تتقاطع مع مسألة العنصرية وأبرزها مدرسة ما بعد الاستعمار، وهو ما لا نجده في تيارات نقدية أخرى مثل الإيكولوجيا أو النسوية حيث يحضر البيض بشكل أساسي.
ترى دي أنجيلو بأن مجتمع المعرفة يعاني من ارتباط الباحثين بتصوّرات تجعلهم يقدّمون على مشاغل دون أخرى، أي أن هناك خلفية عرقية للخيارات البحثية. الأكثر خطورة هو أن يجهل مجتمع المعرفة ذلك أو ينكره في حال جرت الإشارة إليه.
كعالمة اجتماع، تفسّر دي أنجيلو ذلك بمفهوم ابتدعته، الهشاشة البيضاء، حيث يشعر الباحث الأبيض أن موقعه ضعيف إذا تحدّث في موضوع يفترض أنه يدين الرجل الأبيض ويكفّ جنايته على بقية شعوب الأرض.
تعتقد دي أنجيلو بأن هذه الرؤية تؤدّي إلى انسحاب من الجدل العلمي، وبالتالي يفضي ذلك إلى أن يتحوّل مجتمع المعرفة إلى مجتمع راديكالي تتجذّر كلّ مقولة فيه بسبب انغلاقها، وعدم معرفتها بالآخر إلى أن تتصادم في الأخير، سواء علمياً أو ضمن تعبيرات اجتماعية.
على مستوى آخر، ترى دي أنجيلو أن من نتائج الهشاشة البيضاء هو تعطيل فهم ظاهرة العنصرية في الحياة اليومية، فكلّ ظاهرة تحتاج إلى مختلف رؤى المجتمع من أجل حلحلتها وتشرّبها معرفياً. وبالتالي، ترى الباحثة الأميركية أن الهشاشة البيضاء داجل مجتمع المعرفة تعني في ما تعنيه استمرار العنصرية في الواقع.
https://thenationpress.net/news-63662.html