-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

نونو... عرَّافة كوماي ذ . رشيد سكري


 نزل البرد قارسا هذه الليلة .

طلـَّتْ من الشبابيك الصغيرة على الفناء ، فلم تجد نونو أبدا . صعدَتْ درجا رخاميا ضيقا إلى الأعلى ، ففتحت الباب بعد صرير أزعج الجيران .

ـ نونو يا أمي لم تعد .

ـ وما عساك أن تفعلي ؟

ـ نونو رحلت عنا بعيدا ... يا أمي  .

 ليس بالبعيد ولا بالقريب ، غرق الممر المعْتم في سكون قاتم ، إلا من خطوات مترنحة عائدة كما يؤوب الغياب .

قرأت في بعض القصص القديمة ، عندما تحب حيوانا أليفا ، إلى حد الجنون ، من الواجب عليك أن تأكله ؛ لأن المحبوب يدخل الجسد ، ويلاعب أمعاءه .

فيتحد الجسد بالجسد ...

مرت فصول وفصول على غياب نونو ، قطتنا المشاكسة اللعوب ، ظهورها في الساحة والفناء أحدث فرحة وحبورا عارمين . كنت على بينة من أمري ، أن نونو لا تطيق العيش من دون دلع ، ومن دون رقص على موزار و شوبان . كانت ذات الرداء الأحمر تجلس إلى البيانو ساعات طوال ، تستحضر ميلودي بيتهوفن ...

وتقلد سمفونيته التاسعة ...

وما أن تصل إلى منعطفاتها  الطروب ؛ صاعدة نازلة ... حتى تجيء نونو غـُنْجا ودلالا ، فتحس ذات الرداء الأحمر بالسعادة تغمر قلبا طاهرا ، بأناملَ من ذهب تزحف على ما تبقى ... من نوتات وشذرات سمفونية ... هكذا كانت تعيش ، ومن حولها نونو المِغْناج .

  في ليلة قامرة كانت ممددة على سرير البيت ، فلم تشعر إلا و نونو تلحس راحة يدها اليمنى ... نهضت ملسوعة تجري ،  وتتعاثر في تلابيبَ طويلة من الفانيلا الرقطاء ، وتصيح :  

ـ أمي ... أمي ...  نونو تقرأ الكف .

لم تدر ما أحست به الأم ، وهي تتأمل ما تقول ، اسأليها إذن عن مصير أبيك الزعيم . طال الغياب ... وطال الانتظار . عندما يعود ... أظن أنني سأسمع أنه دُفن منذ ثلاثين عاما ، ركب الأوهام ، انتظر السراب ، فهناك سقوط وانتظار دائم . خيالي اللجوج يسافر بي كي أعثر على بقايا الحكاية ... فلا نونو تستطيع أن تملأ حفر الزمن ، ولا تقدر أن تشد عضد هذا البنيان . إذا كان قدره أن يموت ها هو قد مات ... سعلت شديدا حتى انتفخت أوداجها المهترئة .                

تذكرني نونو راقصة بيتهوفن و موزار بعرافة كوماي ، تلك هي السيبيلا عند جبرا إبراهيم جبرا ، فعالمنا بلا خرائط ، يذهبون ولا يعودون . وعندما يشتد وطيسٌ تتكلم الموتى من تحت الأجداث . ولا يخافون ، أبدا ، عندما سيعود الخوف و القـُداد  إلى أبيك الزعيم .

  فكرت ذات الرداء الأحمر جيدا ، وقررت أن تفعل ما فعله سالفادور دالي الرسام الإسباني الشهير وزوجته غالا بأرنبهما الفاتن المدلل ، عندما أكلاه ؛ فالتحم جسد الأرنب بجسديهما إلى الأبد . فلا أستطيع أن آكل عرافة كوماي ؛ لأنها تعشق الموسيقى ... وإلى الأبد .     

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا