يشكل أسلوب الفنانة سمية عبد العزيز نطاقا واقعيا تبسط من خلاله طرائق متعددة في التعبير، وصنع مجموعة من العلاقات الجدلية، والأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، والاستعمالات اللونية المتوالفة، في سعي منها إلى صنع مجال تشكيلي يقوم على أبعــــــاد رؤيوية وفلسفية، يتأسس على بناء واقعي، يأتــــي في ســــياق تجربة فنية معاصرة، تضطلع بتفاعلات واقعية تتلاءم مع جماليات الفن التشكيلي المعاصر، ما يفضي إلى لغة تشكيلية ذات معان فنية ودلالات مختلفة.
فلغة اللون في أعمال المبدعة توحي بالعديد من المفردات الجمالية، ليس كمكوّن إبداعي وحسب، وإنما كمسار فني ممتد في الواقع، تعالجه الفنانة بمزيد من الواقعية، في خضم المساحات التشكيلية الشاسعة. إذ يبلغ المشهد اللوني أوجه حين توحي الأشكال الواقعية بنغمتها السمفونية الناتجة عن الحركات المتتالية. وتشكل أعمالها عموما انعكاسا فنيا يصور القيم، ويمثل مشاهد الواقع بروح إبداعية قوية، وصياغة تشكيلية متفردة، على نحو رصين من الدقة؛ فاللون يبهج البصر، والشكل يصنع الحركة، وبينهما تتمظهر مساحة من الحياة الواقعية وما يطبعها من تصوير متنوع، يتبدى في الشخوصات المتنوعة، وفي الطبيعة ومكتنزاتها، وفي الكتل اللونية المنزوية في مساحات تظهر متوافقة مع الشكل العام الذي بنت عليه المبدعة منجزها.
ولعل هذا التحوير والتحويل للواقع هو ما حدا بأسلوب هذه التجربة إلى اتخاذ المجال الواقعي كمقوم تشكيلي لبسط مجموعة من الأفكار، التي تتستر وراء الشكل البارز، ليواجه القارئ عالما فنيا مُؤدى بشخوصات واقعية، وأشكال لونية مبهجة، وثمة إحساس بقيمة اللون والشكل وقيمة التركيب. إن قوة هذا التوظيف تحيل على عمق هذه التجربة التي تتأسس على الواقع وإدماج الشكلي في اللاّشكلي، بسعي تام إلى بناء فن منظم شكليا. إنه في الواقع النقدي التشكيلي، ارتماء في التعبير وفق طقوس ومفردات واقعية، تستمد كينونتها ووجودها من نبع واقعي متعدد الأطراف، ومتعدد التصورات والرؤى، وهو إرساء لمقومات العمل الفني المبني على أسس جوهرية وعلى خزان من التمظهرات الواقعية المختلفة. وإن لجوء الفنانة لهذا المسلك من التشكيل هو في الأصل لجوء إلى عالم متجدد بمقومات معرفية وتوابث ثقافية، تحتوي مخزونا واقعيا له أثره في التشكيل المعاصر. فبهذا الأسلوب تثبت المبدعة داخل لوحاتها أشكالا واقعية برؤيتها الفنية، وعوالم جديدة تؤثث لمنحى فني تفاعلي، يدحض البناءات الفراغية، وينسج مجالا تراكميا، متناسق الألوان والأشكال والشخوصات، باختيار منظم، يعتمد غايات فنية مستمرة في الزمن، وهي سمة تلوح أنوارها في إبداعات الفنانة سمية عبد العزيز، وفق تفاعليات فنية وجماليات متنوعة، تلعب فيها التقنيات المستعملة دورا مركزيا في تثبيت المادة الواقعية بكل مضامينها وأسرارها. وتشكل التعابير الفنية والمفاهيمية التي تنتجها هياكل العمل التشكيلي، مثالا للتأويل الذي قد يؤطر الفن الواقعي الذي هو في جوهره يرفض الحدود، ويتوق إلى الفضاء المفتوح، لذلك تمثل رؤيتها تفسيرا لمشروع تشكيلي واقعي نحو البحث عن الآفاق واللانهائي. ومن الظاهر والعادي، ومن المادي والمتستر، تستخلص المبدعة قيمة أعمالها في تواشج عميق، وتوالف منسجم مع العناصر الفنية، والأشياء الواقعية في العالم، فهي الباحثة عن جوهر هذه الأشياء في أعمالها. فالشخوصات المتبدية في أعمالها لا تقبل تفسيرا عاديا، لأنها متأتية من مدركات وانفعالات متوهجة، ومصوغة في نسيج أدائي مركب تركيبا دقيقا، بمهارة كبيرة ومؤهلات عالية. باعتبار أن هذا الأسلوب التشكيلي يعتمد الأفكار الجديدة، والدقة في الأداء، والاعتناء بقيم السطح، والنظام في ترتيب مفرداته الفنية. وهو ما توفره سمية عبدالعزيز، ويُؤكده حضورها في الساحة التشكيلية المعاصرة.
٭ كاتب مغربي