كتبت هذا المقال خلال شهر رمضان الذي غادرنا منذ أيام، ولكني أحجمت عن نشره لكي لا أحرج نفسي وأوفوت علي دعوات الإفطار التي كان يتكرم علي بها بعض الكرماء من أهل البلد، وما أكثرهم زادهم الله من فضله ونعمه. وجاءت فرصة اليوم العالمي الذي اختاره المجتمع الدولي للاحتفال بالشاي، وذلك يوم 21 مايو من كل سنة، مناسبة لأنشر المقال نظرا لعلاقته بهذه الاحتفالية العالمية.
نعرف جميعا
أن هناك شروطا للوضوء والصلاة والصيام، باحترامها تصح هذه العبادات. وهناك مبطلات
لها تخل بها وبالتالي إعادة الفرض أو القضاء حسب طبيعة العبادة المعنية. وبخصوص
الصيام، فإن مبطلاته معروفة لدى الجميع ويحرص الصائمون على الإبتعاد عنها لكي لا
تبطل صيامهم ويضطرون إلى تعويض ذلك بما تنص عليه أحكام الصيام من قضاء. أما
الإفطار، فإننا لم نعرف له في ما تعلمنا أي فروض أو مبطلات. بل يكاد يكون الفرض
الواحد والوحيد هو قطع الصيام بعد آذان المغرب وليس قبله، وذلك بما تيسر من تمر
وماء ثم الجلوس إلى طاولة الإفطار بعد صلاة المغرب... ولم أعرف أبدا أي نص أو فتوى
تتكلم عن أي نوع من مبطلات الإفطار. لكني، وبحكم العادة وخصوصا قبل الإغتراب،
اكتشفت أن الإفطار عندي لا يصح إلا بتوفر عنصر مهم، وإلا فإني أعتبر إفطاري باطلا
تجب إعادته ولو قبل الفجر بقليل.. هذا العنصر الأساسي في طاولة إفطاري هو الشاي
الأخضر بالنعناع وما توفر من أعشاب أخرى حسب الموسم مثل الشيبة، الزعتر أو فليو
وغيرهم. لذا كنت أضرب صفحا عن كل ملذات طاولة الإفطار، وأحرص أشد الحرص على حضور
الشاي المنعنع وإذا اقتضى الحال بعض ما يرافقه من معجنات مثل المسمن أو البطبوط أو
البغرير، المشبعين، بطبيعة الحال، زبدة أو زيت زيتون مع العسل.
في المغرب لم يكن الأمر يشكل أية مشكلة لأن الناس اعتادوا أن سألوا ضيوفهم للإفطار عن ماذا يريدون لقطع الصيام، وكثيرا ما تم تحضير براد شاي صغير خاص بي في طاولة لا يقاسمني الحاضرون فيها هذا الشغف. ولكن الأمر أصبح أكثر صعوبة بعد اغترابي وإقامتي في الخليج العربي والإمارات على الخصوص. أولا لأن موائد الإفطار هنا تختلف كلية عما تعودنا عليه بالوطن من هيمنة السوائل الغذائية على المائدة، وثانيا لأن الشاي المنعنع ليس من العادات المطعمية في بيوت أهل الخليج. الأمر سهل عندما أفطر في بيتي حيث أحرص على إعداد الشاي تفاديا لإبطال الإفطار، ولكني عندما أدعى للإفطار من طرف أحد الكرماء من أهل البلد، فإني كنت أحضر الإفطار وأقضي بما حضر مما تتحمله معدتي التي لا تستسيغ أكل اللحم والأرز مباشرة بعد الآذان دون توطئة سائلة من هذا الرحيق الساخن الذي يولده تفاعل حبيبات الشاي الأخضر معى وريقات النعناع الطري داخل براد معدني كأنه مغارة علي بابا بكنوزها الثمينة. في هذه الحالة، وتأدبا مع مضيفي كنت آكل مما توفر، ولكن في نفسي لا أعتبرني مفطرا، بل عندما أعود إلى البيت ولو في ساعة متأخرة أحضر الشاي المنعنع حسب أصوله، وأجلس إلى مائدتي الصغيرة وعليها صينية تحمل البراد وبضعة كؤوس "مغربية" وما توفر من المسمن أو البطوط أو البغرير ثم أقول وكأني سمعت آذان المغرب لتوي: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر"، ثم أفطر كما شئت وشاء لي مزاجي.
عجمان في 21
مايو 2021 (اليوم العالمي للشاي)