-: هَلُمُّـوا، أَيـُّها الشُّعَراءُ: مَعْـنَى،
يُعِيْـدُ المَـسْجِـدَ الأَقْـصَـى كأَدْنَـى!
فـرُبَّ
مُـطاوِلٍ زُحَـــلًا مُـعــانٌ،
ورُبَّ مُـحــاوِلٍ زَحْـلًا
مُـعَــنَّـى
-: كُـنِ المَعْنَى! تَقُوْلُ بَناتُ شِعْرِي،
وما لِسِـواكَ مِـنْ مَعْـنًى لِـيُـبْـنَى؟!
تُـمِـيْـطُ الـحَـزْنَ
عَنْ مَسْـرَى (سُهَيْلٍ)
وتُنْـكِحُـهُ (الـثُّـرَيَّـا) قَـبْـلَ تُـمْـنَى
«إِذا غـامَـرْتَ فـي شَـرَفٍ مَـرُوْمٍ»،
فـلا تَـقْـنَـعْ بِـنَـجْـمٍ ، أو بِـأَسْـنَـى
وسِـرْ فَـوْقَ الـمُحالِ ، بلا مُـحالٍ،
فـما
لِـنِـهايـَـةٍ نَـسْـلٌ لِـتُـكْــنَـى
وسِـيَّـانِ اصطِـبـاحُـكَ كَـأْسَ نـارٍ
وما اصْطَـبَـحَ الـنُّـواسِـيُّ فـجُـنَّـا!
* * *
-: وما الدُّنيا؟ -: «تِراجِدْيا الكُمِدْيا»!
بُطُوْلَـتُها: الطَّعِـيْنُ.. وسَنَّ طَعْـنـا!
-: أ هذا «ما جَـنـاهُ أَبٌ على ابْـنٍ»؟
-: وَصالَ ابْنٌ على الجانِـي بِأَجْـنَى!
* * *
تَـمُـجُّ الأرضَ
شُـطْـآنُ الـمَـنايـا،
بِفـاضِحِ مَـوْجِـهـا ، إِنْـسًـا وجِـنَّـا
وتَرقُـصُ خَـيْـلُـها،
سُـودًا وبِـيضًا،
غِضابـًا، في مَراقِصهـا اغـتُـصِـبْـنـا
أَلا مَـن يَلْـتَحِمْ ؟
والحَـرْبُ عِـيْـدٌ،
بِـأَيـَّـةِ حـالَـةٍ عــادَ احْـتُـلِـلْـنـا؟!
ومُنْـذُ «الفَتْحِ» ، (رُوْبِـيْـنُ)(1) يُدَلِّـي
عـلى الكَـتْـفَـيْنِ
رِجْـلَـيْـهِ ، وهُـنَّـا!
إِذا مـا الـنَّـمْلَـةُ
اســتَـوْفَـتْ مَداها
غَزَا رِيْـشُ الهَوَى ظَـهْرًا
وبَـطْنـا(2)
وصَـارَ لَــها
بِـقَـحْـطـانٍ عِــيَـالٌ
ومِـنْ عَــدْنـــانَ أَبـْـنـاءٌ
تَـبَــنَّـى
أُسُوْدُ
(شَرًى) ، و(عَـثَّـرَ) ، حامِـيـاتٌ
(خِـيــــامَ الـرَّبِّ) ،
إِنْ ذَرٌّ تَـجَـنَّـا!
* * *
متى يُـجْـدِيْ البُـكَـاءُ
عَـلَى بِــلادٍ،
وإِنْ شَـهِـدَتْ خرائـطُها؟!
وأَنَّـى؟!
خَـرِيْـطَـةَ
(بَطْلِمُوْسَ)، عليكِ مِـنَّـا
دَمٌ يَـرْوِيْ الـمَواطِـنَ
، إنْ جُـهِلْـنـا
ولكـنْ إنْ نَـبَـا
لِـلْـحَـقِّ سَـــيْـفٌ
يَـهِـفُّ العُـمْـرَ
حَـسْـراتٍ وأَنـَّـا
فعَـيْنُ الشَّمْسِ تَـعْمَى
عَنْ يَـدَيْـها،
إِذا لَـمْ تَـبْـتَـقِمْ(3) في الشَّمْسِ عَيْنـا!
* * *
كم اضْطَـرَمَ الـعَـواصِفُ
فـي فُـؤادٍ،
على جَـمْـرِ الحَـنِـيْنِ ،
بَـكَى وحَـنَّـا
تَطُوْلُ صَلاةُ مُستَسْقِـيْ
اللَّـوَاظِـي،
ويُـصْلِـيْ (مالِـكٌ) سُـقْـياهُ لَـعْـنَـا
سَـرابـًا فـي كُــؤوسٍ مِـنْ رِمــالٍ
شَرِبْنَ العِـيْـسَ، في
الفَلَواتِ، ظَعْنا!
* * *
نَهَـضْنـا
مِنْ ضَرِيْحِ الـمَوْجِ عُـرْيـًا،
نَـضِجُّ
إِلَـيْكَ، (بُوزَيْدُوْنَ): تُـبْـنا!
كَـنَـخْلٍ مِنْ غَياهِـبِ (بِـرْسِفُـوْنٍ)،
لِفَجْـرِ
أَبِـيْ الـمِياهِ، نَصِيْحُ: إنَّـا...!
إِلـى
(دِيْـمِـيْــتَرٍ)، أُمِّ الـمَـهـارَى،
نُـعِـدُّ
الخَـيْـلَ (لابنِ زِيـادَ) سُـفْـنـا
لِـتُـبْحِرَ
مِنْ مَواتِ (هَدِيْسَ) ، تُحْيِيْ
رَمِـيْـمًا،
أَرْضَعَـتْ سَـلْـواهُ مَـنَّـا!(4)
* * *
بِطُـولِ
شَـوارِعِ الـتَّارِيْـخِ نَـعْـدُو،
مِنَ
الـبَـرْدِ الـجَـحِـيْمِ، نَـفِـرُّ
مِـنَّـا
نَـرَى
حَدَقَ الـقُـبُـوْرِ طُـيُـوْرَ مـاءٍ
ومِنْ
صَخْرِ الجِبالِ السُّحْبُ تـُجْـنَى
يُـصَـلِّي
الكـاهِـنُ الـنَّـارِيُّ نــارًا،
ونَـحْنُ
صَلاتُـنـا بِـالـمَـاءِ تُـبْـنَى!
* * *
-:
أُنادِيهـا؟ أ تَعْـرِفُ صَوْتَ طِفْـلٍ
يُـنــادِي أُمَّــهُ :
يـا أُمُّ ، عُـدْنــا؟
-:
لِأَصْـواتِ الطُّـفُـولَـةِ أَلْـفُ أُذْنٍ
بِـقَـلْـبِ الأُمِّ ، مـا
يُطْـفِـئْـنَ أُذْنـا
ولو نـادَيْـتَ سـاجِــيَـةَ اللَّـيـالِـي،
أَجـابَ الفَـجْـرُ ، مِـدرارًا وهَـتْـنـا
فـما لِـنُـعـاسِ غـافِـيَـةٍ جُــفُــونٌ؛
يُـكَحِّلُ
لَـيْـلُـها بِـالخَـيْـلِ جَـفْـنـا!
* * *
-: أَلا يـا أَيـُّهـا
الأَطفـالُ ، يَكْـفي!
اهْبِطُوا
عَن سُلَّمَ الأَصواتِ ، شِـبْنا!
مَـتَى
تَـأْتِــي؟! دُعـاؤكُـمُ ثُـغـاءٌ..
كَـأَنَّ الـمَـوْتَ
نـاداها : كَـأَنـَّا...
* * *
-:
أَلا يـا نَـظْــرَةً مِـنَّـا
إِلَـيــنـا..
إلى
تِلْكَ الـمَـدائـنِ.. زِدْتِ غَـبْـنـا
إلى تِلْكَ الـمَــنـائـرِ كـالثَّـكَـالَـى
تُـفَـتِّـشُ
جَـيْبَ (عِزرائـيلَ) عَـنَّـا!
* * *
-: أ
كانـتْ أَمْسِ فـينا ، إِذْ سَمِعْـنا
أَذانَ
الـفَجْرِ ، صَـدَّاحـًا تَـغَــنَّـى؟
فـعَـبْرَ شَـآمِــنـا
أَسْـرَى شَــمالًا،
وعَـبْرَ
جَـنُـوْبِـنا أَجْـرَى وأَجْـنَى؟
بـرُغْمِ
كُـهُوْفِـنا، شـادَ الـمَعـالِـي،
ورُغْـمِ
خَصاصَـةٍ ، أَغْـنَى وأَقْـنَى؟
* * *
أفاعـي
الـنَّـارِ تَجـتاسُ الـمَـوانِـي،
تُـبِـيْـدُ
شُـمُـوْسَهـا إِنْ لـم تُـبِـدْنـا
وتَـمْـتَـحِـنُ الذُّكُـوْرَ بِكُـلِّ أُنْـثَى،
وتَـمْـتَـحِـنُ
الإِنــاثَ بِكُـلِّ
أَزْنَـى
لِـتَـعْـرِفَ
فـارِقَ التَّـوْقِـيْتِ فِـيـنا،
هِـزَبْـرَ
الغِـيْـلِ، والـرَّشَـأَ الأَغَــنَّا!
* * *
يَـنـامُ
النَّــوْمُ ، والأَضـواءُ تَـسْهُـو،
فـيَلْـتَمِعُ
الحَنِـيْنُ بِـ(قَـيْـسِ لُـبْـنَى)
وتَـقْـلَـقُ فـي
سَـــماءِ اللهِ شُهْبٌ،
ويَـغْـفُو
ابنُ السَّمَـالِـقِ مُطْمَـئِـنَّـا!
* * *
أ
كـانتْ أَمْـسِ فـيـنا ، إِذْ سَمِـعْـنـا
أَذانَ الـفَجْرِ ، صَـدَّاحـًا مُـغَــنَّى؟
على
عَـرْشٍ مِنَ الشِّعْـرِ الـمُـصَفَّـى
تُـناغِـي
طِـفْـلَهـا ، تُـصْـفِـيْـهِ فَـنَّـا
تُـمَشِّـطُ
شَعْـرَهُ الأَحْـوَى بِمُـشْـطٍ
مِـنَ
العِـطْـرِ الأُمُـوْمِـيِّ الـمُحَـنَّـى
تُـصَـلِّي فَـوْقَ
رُكْـبَـتِـهـا الصَّبَـايـا
لِتَـقْبِسَ
مِنْ لَـمَى شَفَـتَـيْـهِ عَـدْنـا
تَـقُـولُ
لَهُ : ستَمْـشِـي ، يا أَمِـيْرِي،
على
الأَمْـواج ، غُصْـنًا ضَمَّ غُصْـنا
فـأَدِّ
صَـلاةَ الاِسـتِـسـقـاءِ تَـنْـدَى
قـصائـدُكَ
السَّـجِـيْـنَـةُ فِـيْكَ دَنـَّـا
(سَمِـيرَامِـيْسُ)
تَسْبَحُ في القَـوافِـي
لِـتُـقْرِئَـكَ
الغَـرامَ : رُؤًى ، ووَزْنـا
إِلى
شَمْـسِ القِـيامَـةِ عِـشْ هَدِيْـلًا،
يُـراوِدُ
غَـيْـمَـةَ الكَشْفِ الـمُكَـنَّى!
* * *
-: أ إِخْوَةُ (يُوسُفٍ) رَهَنُوا أَباهُـمْ؟
ويُوسُفَ؟ وارْتَأَى (التَّلْمُودُ) رَهْنا؟
أَصِـخْ
، يا جُـبُّ: يُوسُفُـنا عَـزِيْـزٌ،
كـ(مِصْرَ)!
وخِبْتَ، إِخْوانًا، وفُزْنا!
وحتَّى
يَـسْـقُـطَ الغُـيْبُ الـمُرَجَّى،
سـنَـغْـزِلُ
مِنْ أَزِيْـزِ الـنَّـوْلِ كَـوْنـا
لِـتَـكْـتَشِفَ
النَّـوافِـذُ وَجْـهَ لُـبْـنَى؛
يُـشَكِّـلُ
في الهَـوَى قَـيْـسًا مُـثَـنَّى!
* * *
-:
أَلا يـا أَيـُّهـا الأَطفـالُ،
هُـبُّـوا!
اصعَدوا
في غُلْمَةِ الأَصواتِ لَـحْنا!
لَقَـدْ تَـأْتِـي!
دُعـاؤكُـمُ ارتِـقــاءٌ..
إلى صَدَفِ الكَواكِبِ ،
حَيْثُ كُـنَّـا!
...
تَـشُـبُّ
الطَّـيْرُ صاخِـبَـةَ الخَـطـايـا،
لِـتَـبْـنِـي
الصَّمْـتَ: إِيـمانًا، وأَمْـنـا
لِـتَـسْـطَـعَ
فـيـكَ أَضْـواءً غِـزارًا،
تُـبَـدِّدُ
مِنْكَ، في الظُّـلُـماتِ، سِـجْـنا
لِـتَـسْـطَـعَ
فـيـكَ أَضْـواءً غِـزارًا،
فتَـأكَـلَ
رِيْــبَـةً ، أَكَـلَـتْـكَ ظَــنَّـا
لِـتَـسْـطَـعَ
فـيـكَ أَضْـواءً غِـزارًا،
تُـدِيْــرُ
لِـمَـسْـرَحِ الإِبـْداعِ شَـأْنـا
فتُـوْقِـظَ
فِـيْـكَ بَـيْـدَرَكَ الشَّآمِـي،
وتَحْـصُـدَ
مِـنْـكَ ما يَـمَـنٌ تَـمَـنَّى
عُواءُ
الرِّيْحِ.. لا يَـثْـنِـيْـكَ رِيْـحـًا،
هَدِيْـرُ
البَحْرِ.. لا يَعْلُـوْكَ حِـصْـنـا
-: كُـنِ المَعْنَى! تَقُوْلُ بَناتُ شِعْرِي،
وهَلْ لِسِـواكَ
مِنْ مَعْـنًى لِـيُـبْـنَـى؟!
وَحِـيْـدًا
، تُـشْعِــلُ الآبـَـادَ ، بَـدْرًا
يَـصُوْغُ
هِـلالَـهُ ، والـمَوْتُ يَـفْـنَى!
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رُوبين: أكبر إخوة (يوسف)،
الذين تآمروا عليه، حسب القِصَّة القرآنيَّة.
(2) هذا
مَثلٌ شعبيٌّ. يُضرَب لما بلغ من الأمر
اكتماله؛ فآذن بالنقصان فالفناء. مِثل
النمل الذي لا تنبت له أجنحة إلَّا حين يبلغ نهاية حياته.
(3) ابتقَمَ، في لهجات جبال (فَيْفاء): اقتلَعَ، ولكن على نحوٍ
استئصاليٍّ فيه عُنف. ولا نَجِد من هذه
المادة في العربيَّة المدوَّنة إلَّا بقايا آثارها، الدالَّة على أصلها المندثر،
أو المهمَل. من ذلك قول اللغويِّين: إنَّ التَبَقُّمُ: أكْلُ البَهِيمَةِ
الكَلأ. وإنَّ بُقامة النادف: ما
سقط من الصوف لا يقدر على غَزْله.
(انظر: الصاحب بن عباد، المحيط في اللغة؛
ابن سيدة، المحكَم؛ ابن منظور، لسان العَرَب، (بقم)).
(4) الأسماء المشار إليها في الأبيات من أعلام
الميثولوجيا الإغريقيَّة. فـ(بوصيدون):
إله البحار والمياه في أساطيرهم، ويقال إنه في الأصل إلهٌ (أمازيغيٌّ لِيبيٌّ)،
اسمه (بوزيدون)، اقتبسته الميثولوجيا اليونانيَّة. و(ديميتر): آلهة الأرض والزرع
والربيع. و(بيرسيفون): ابنتها
الجميلة، عشقها (هَديس/ هاديس): إله العالم السُّفلي والموت، فاختطفها من
أُمِّها، وغيَّبها عنها زمانًا. أمَّا (ابن
زياد)، فإشارة إلى بطل الفتح الأندلسي المشهور: (طارق بن زياد)،
المنسوب إليه حرق السُّفن، في الحكاية التاريخيَّة المعروفة؛ لمنع جيشه من الفرار، واضطرارهم إلى
المواجهة. وهو- كما يرجِّح بعض
المؤرِّخين- ينحدر من أصول أمازيغيَّة، مثل (بوزيدون)، إله البحار والمياه.