-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

بماذا وصف ستالين كاتبها؟ …رواية «الحفرة»: مدفن لأنقاض الآمال والأحلام ـ جمال العتّابي

 


انتهى الكاتب الروسي أندريه بلاتونوف (1899-1951) من كتابة روايته «الحفرة» عام 1930، ولم تنشر إلا عام 1987، توفي الكاتب قبل أن يرفع الحظر عن نشر رواياته، لهذا السبب لم يكن بلاتونوف اسماً معروفاً لدى القارئ العربي، وكذلك القارئ الروسي، إلا ان دار السؤال اللبنانية للنشر، يسّرت لنا ثلاث روايات باللغة العربية (الحفرة، بحر الصبا، الأشباح) ترجمة خيري الضامن، في أواسط العقد الثاني من هذا القرن، ونحن بصدد قراءة نقدية لرواية «الحفرة» التي ظلت ممنوعة منذ عام كتابتها، لأفكارها الجريئة في انتقاد البيروقراطية، وديكتاتورية الحزب الواحد، والنظام السوفييتي الشمولي، ويعدها بعض النقاد من أهم ما كتب بلاتونوف.

الاشتراكية والمجتمع

تدور أحداث الرواية في إحدى نواحي (الاتحاد السوفييتي) حيث يجري الإعداد لبناء مجمع سكني تعاوني، لأبناء الحي، وطالما تبنت الدولة بناء هذه المجمعات، على أمل تعزيز الخطوات نحو بناء (الاشتراكية) إلا أن العقلية البيروقراطية في الإدارة، والصراع بين عمال المشروع من جهة، ومع الإدارة من جهة أخرى، ومع فلاحي المنطقة، دفعت بالمشروع إلى الفشل، وقد عبر بلاتونوف عن أزمة حقيقية واجهتها الدولة، تتمثل بصعوبة تحقيق التوازن بين تلك القوى، والتغلب على التناقض ومخلفات الصراع بين القديم والجديد.
لقد شعر بلاتونوف بالنفور والامتعاض من إجراءات إرساء نظام اشتراكي، دون مراعاة واقع المجتمع وظروف البلاد، كان معارضاً للحروب، باعتبارها حروباً إمبريالية، وقودها أبناء الفقراء، ولحمهم طعم لنيران المدافع.
وصلت الرواية إلى يد ستالين، كتزكية لقراءتها، على أساس ان بلاتونوف أحد أعضاء الحزب وشبابه، فكان تعليق ستالين عليها: هذا كاتب خبيث، فهل يعقل أن يكون عمال الحزب بهذا القدر من الخسة والدناءة كما يصورهم هذا الملعون؟ ويبدو أن مستشاري ستالين دفعوا بالرواية له، كتشجيع لروائي شيوعي شاب، قبل أن يقرأوا الرواية. منعت الرواية من النشر لعقود من الزمن، وفي حينها جرت محاولات لملاحقة الكثير من المثقفين. لم يكن من السهل مواصلة التطور الحثيث نحو خلق البنى التحتية (للاشتراكية) بعد ثورة أكتوبر/تشرين الأول عام 1917، الانعطافة الكبيرة في مسيرة التاريخ العالمي، كان أمراً في غاية الصعوبة، في ظل اقتصاد ضعيف متخلف مدمّر، وتوفير السكن والطعام والخدمات.
اعتمد بلاتونوف الإيحاء، والتصوير، والرمز، وكانت الحفرة التي اشتغل بها مئات العمال، ترفد الرواية من الداخل برمزيتها، وتثريها بالحوار والصراع والتأزم، ولم تبرأ الرواية من الخطب الصغيرة، والمناقشات المعبرة عن آراء الكاتب في تلك الأزمة، والتزام الروائي ببناء سردي يتراوح بين تداخل القيم، والصراع في دوامة الحب الزائف والكراهية، يحمّل كل طرف مسؤولية ما يحدث للطرف الآخر، الروائي يلجأ للامعقول، والكوابيس، والأحلام، وهو لا يحتاج إلى أن ينتحل تجربة، أو أن يتخيلها، بل يكشف عن قدرته في استثمار الحياة اليومية بنبض المعايشة الحارة، وصدق الألم الإنساني، في القبض على الحقيقة، التي ظل يبحث عنها (فوشيف) الشخصية الرئيسة في الرواية، المتأملة، المنطوية على نفسها، شاردة الذهن، فوشيف يعبر عن أزمة المثقف بالقول: كنت أتأمل وأفكر أثناء العمل، لذا فصلوني، بدني يعاني ويخور لغياب الحقيقة.
يضع بعض النقاد بلاتونوف بين الكتاب المتشائمين، ويصفه آخرون بأنه (كافكا روسيا) ورواية «الحفرة» تنطوي على أجواء كابوسية، في الأحداث، والأسلوب، والكشف عن أبعاد الشخصيات، غير ان العالم الذي ينتجه خيال سقيم، يبدو في كثير من الأحيان مطابقاً للواقع الاجتماعي، أو التاريخي.

الاغتراب

عالم «الحفرة» عالم الغربة، عالم النزاع، عالم الإنسان المزدوج، وهو أيضاً العالم الذي يفقد فيه الإنسان وعيه بذلك. ويبدو بلاتونوف في فصول عديدة من الرواية أميناً، لتقاليد الرواية الروسية، ببنائها الرصين المألوف في مزايا السردية الروسية، لذا يصفه النقاد أنه أهم الروائيين الروس ما بعد ثورة أكتوبر، ويقف إلى جانب غوركي وشولوخوف وبولغاكوف، في وحدة الجو والأثر، والبناء المستقر، والمغزى الواضح، من وراء عرض التجربة الإنسانية في تنويعات سردية مألوفة وجديدة. وعلى مستويات وأبعاد متعددة، يوصلها للمتلقي بلغته الروائية الخاصة، التي تسيل بعفوية ولغة شعرية، مع امتلاك قدرة هائلة على الوصف.
بلاتونوف جعل من الحفرة نقطة الارتكاز التي تدور حولها الحوادث، والنص الروائي يتركز حول هذه البؤرة من التجربة السياسية، لتتحول رمزياً إلى مدفن جماعي، يقوم على أنقاض الأحلام والآمال، يمتلك الراوي مزيداً من الجرأة، ويسلك طريق المواجهة لا طريق السلامة، فيزداد في تحطيم الأطر التقليدية، واستنباط الصور والرموز من اللاوعي، استنباطاً عفوياً، الإنسان في «الحفرة» في حالة اغتراب عن المجتمع والنظام، والمؤسسات، وهو في حالة صراع لتجاوز اغترابه.
الحي أو المدينة هيمنا على تمثيل الوطن، حيث فقد ركائز علاقته بالواقع والمجتمع والسلطة، واستطاع بلاتونوف أن يفضح الكوامن كاشفاً عن مصير تسقط فيه التجربة. وانهيار الحلم. إن تراجيديا الانهيار والسقوط تحطم العلائق المنطقية، وتعيد خلط الأوراق إذ يتحول العالم إلى سديم، إلى رؤية غائمة لا تتميز فيها ملامح الوجوه والأسماء، وأعتقد ان هذه النتيجة هي ما سعت الرواية إلى تأكيده.

كاتب عراقي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا