داخل حلقة دائرية منسجمة يصطفون، بعفويتهم وتلقائيتهم يوزعون بينهم المهام الإيقاعية، فلكل واحد منهم دوره الخاص يؤديه بأدواته الأساسية، ليشكلوا بذلك لوحة تراثية تمثل الشريان الفني لسكان إقليم طاطا.
فلا تكاد تمر مناسبة من مناسبات الأفراح عند سكان هذه المناطق دون الحضور الثابت لرقصة “أحواش”، التي تؤدى في ميدان له خصوصية يسمى عادة بـ”أسايس”، يكون مسرحا لهذه العروض التي تحضى باهتمام الكبار والصغار، رجالا ونساء.
وتؤدى رقصة “أحواش” بشكل جماعي يجسد الروابط الإنسانية، ليس فقط بين الممارسين لها أو المبدعين في أدائها، بل بينهم وبين الحاضرين وعموم المهتمين بالتراث الواحي، وذلك من خلال أدوات خاصة، أهمها “تالونت” أو ما يسمى بـ “البندير”، وهو إطار من خشب ملفوف بجلد حيواني له إيقاع خاص، يتسم بالرقة لا يشبه غيره من الإيقاعات.
ولا تكتمل الصورة الإبداعية لرقصة “أحواش” بدون وجود ضابط للإيقاع أو المايسترو الذي يسمى “أمرياس” أو “الرايس”، وهو الذي يتكلف بحسه الفني المرهف وتجربته بضبط الإيقاع والتنسيق بين الصوت والحركة، ثم “كانكا” أو “الطبل” المعروف بإيقاعه المسموع الذي يعلو جميع الإيقاعات الأخرى.
وتعد فرقة “أحواش شباب تغرمت” نموذجا لما يزخر به إقليم طاطا من فرق “أحواش”، وواحدة من الفرق المتميزة بالإقليم، حيث تتفنن في إتقانها للرقصات الفلكلورية، عبر إنسيابية الحركة والنغمة، بإيقاعاتها المتفردة والتي يتم ضبطها من طرف عناصر متمرسة و مخضرمة ذات تجربة ميدانية طويلة.
وفي حديث لوكالة المغرب للأنباء، أوضح عضو جمعية تغرمت للفنون الشعبية، عبد المجيد أوشيخ، أن الهدف من تأسيس فرقة “أحواش شباب تغرمت”، يكمن في المحافظة على تراث “أحواش” المعروف بمنطقة طاطا، مضيفا أن هذه الفنون، تحمل بين نغماتها عبق حضارة ضاربة في عمق التاريخ المغربي عموما والجنوب الشرقي على وجه الخصوص.
وأبرز الفنان الشعبي، أن فرقته تحاول استقدام العناصر الشابة وتشجيعهم على الانخراط في صون الذاكرة الشعبية للإقليم، مع حفاظها على قدماء المنتسبين لهذا الفن، للاستفادة من خبرتهم التي عمرت طويلا في الميدان.
من جهته، قال الباحث في الثقافة الأمازيغية، إبراهيم أوبلا، إن “أحواش” إقليم طاطا يتميز على غيره من المناطق الأخرى بالمملكة، بخصائص إيقاعية وبحركات أدائية مثل “أهناقار” أو رقصة “الدرست”، باعتبارها فضاء للحوار الشعري عبر سجال بين الشعراء، غالبا ما يكون حول مواضيع اجتماعية أو سياسية أودينية، تتخللها وصلات من الرقص والغناء.
وأضاف الباحث، أن هذه الفنون وعلى الرغم من تنوع أشكال الأداء التعبيري والإيقاعي فيها، إلا أنها تتقاسم التعبير الجسدي بالحركة المتناسقة وبالصوت الغنائي العذب والإيقاع المضبوط والموزون.
هي إذا صورة حية، تلك التي ترسمها رقصة “أحواش” داخل مخيلة كل من يتعمق في تفاصيليها، وفي كمية البهجة والطاقة التي تنقلها، لتتناثر مواويلها فوق سماء إقليم طاطا في تناغم جميل مع الطبيعة الساحرة هناك.
*بقلم هاجر الراضي