“صاحبة البنطال البارد”
على قارعة الطريق رأيتها…
جاءت إلى ميلانـو منذ أيـــام؛
هاربـة من جحيـــم الحــرب…
ذات جمـال عبقـريّ لاهـــب؛
بنطالها الأزرق الجينز مثقــوب.
كعينيها الزرقاوين؛ يا بحـــــر.
ظنّنـت أنها من مخالب (دبّ)؛
لكن تبيّــن أنهــا ثقــوب حـــبّ.
كانت ترتديه في مواعيد غـرام.
سألتهــا… فترنحـت شــــاردة؛
ثمّ قالت بلوعـة الغاضـب:
أنـا ماريا بنـت العشرين عامّ؛
ولدت في ربيع وتراني في خريـف…
فقدت حبيّ الأمل وأهلي في خاركيف.
قل لي: ماذا أفعــــل بحقّ السّمــاء؟
لقد هربتُ من حصار كييـــف؛
بعدما قُتل حبيبي في القصــف.
أيّها الغريب في ميلانو حنانيك؟
أصابتني بخــرس العطـف…
حاولـــت أن أنقـدها مـــــالاً؛
رفضـــت ومالـــت؛ وقالــت:
في هذه المدينة الشديدة البـرد؛
أبحـث كالغجــر عن الدفء.
بعدما عدمت مواقـد الحطب…
أريد أنْ أروّف ثقوب بنطالي البــــارد…
اللعنة عليّ في مدينة الموضة والأزياء…
لعلّ هانيبال يأتـي من رومـا الذئـب؟ (*).
قالوا وصل من قرطاج إلى جبال الألــب.
أو ألتقي سبارتكوس قبل حلــول المساء…
عسى لديهمــا لي؛ بعض ذيّــاك الحــلّ؟
أدبرت عنها قليـلاَ ؛ فلحقت بي كالظــلّ…
وقالت يا أيّها الغريـب:
الرجال افتعلوا الحرب؛
وبأيدهم مفاتيح الحـبّ…
فلن أدعك تذهب حتى تـروّف لي بنطالــي؛
أو سيمزقني وحش البرد في قارعة الدرب…
خذني إلى حيّ الأزياء في (سنترو ستوريكو).
أو إلى حيث التسوّق في (كواردريلاتيرودورو).
نثــرت الريــح شعـــرها الأحمر كالرمان…
فكشفت زغب رقبتها الأشقركسنابل القمــــح…
تعلّقت بيميني كسنـارة سمك في نهـر دنيبرو…
(يدك الواثقة ساخنـة يا جمــر!!
هل أنت من الشـرق الأسمـر؟).
هززت لها رأسي المثقـْل كرخام؛
كما هـزّت مريم نخلة المسيح…
فطوقتني بذراعين مثل هـلال…
ثمّ غفتْ على صدري كالأطفال؛
فداعبت بسلام شعرها الأحمر…
وأنا أتلــو لها ســورة مريـــم؛
حتى مطلــع نجم الفجر…
(*) روما الذئب : إشارة لأسطورة أنّ أوّل ملك بنى روما على التلال السبع : رومولوس ؛ وهو صغيرقد رضع من أنثى ذئب.
كاتب وشاعر من العراق