يثبت الفنان محمد شفيع أوزاني في المشهد الفني ما تحمله ريشته من تقنيات جديدة في الفن التشكيلي، للتدليل عن آرائه الهندسية وتصوراته الفنية وفلسفته الجمالية في التعبير بالأشكال الهندسية، إذ يبدي قدرته الفائقة في توظيف مجموعة من الأشكال المتنوعة منها الدوائر والمثلثات وأنصاف المثلثات والأشكال المعينة والمربعات والمكعبات على عدة مناحٍ، منها التكوين والأداء الشكلي والتقنيات والتعبير بما تحمله كل هذه المعالم الهندسية وبعض الرموز من مفاهيم وأفكار ورؤى، تتجسد في التقنيات التي يستعملها لبعث القيم الفنية والجمالية في الشكل العام لأعماله. فهو الذي يرسم كل مقومات الشكل المتكامل والمتناسق في مختلف أعماله التي تنفذ إلى الأعماق، والتي تتضمن القيم الفنية والجمالية. موظفا عددا من المفردات الفنية والتمثيلات التي ترصد العلائق المختلفة بين الدوال والمدلولات، تحضُر في أعماله الإبداعية التي تتأسس على البعد التقني والجمالي، عن طريق إخضاع المادة التشكيلية للتصورات الجمالية، مؤوّلا الأشكال الهندسية برؤيته الفنية إلى منتوج بلاغي جديد، فيمنح أعماله أبعادا ودلالات أخرى، تسمح بالانفصال عن المادة الصباغية، واعتماد الشكل الهندسي الجمالي الفني، ليمنح القارئ فرصة قراءة العمل من وجهة تقنية وهندسية أكثر منها صباغية، واستنطاق الأشكال المتنوعة في بؤر الطلاء اللوني، والمسح السطحي، لصياغة محتوى الشكل العام لكل لوحة، في حلة فنية تحتوي جهازا مفاهيميا وتعبيريا.
وهذا طبعا يتأتى بتوظيف حدس الفنان محمد شفيع أوزاني في الإبداع والابتكار وبعث الجديد، لأن ذاكرته تشتغل في مختبر المواد الهندسية والتقنية واللونية، بتفاصيلها وحيثياتها، ما يضع القارئ أمام عوالم استطاع المبدع أن يشكلها بروح فنية عالية، ليصنع منها مادة أساسية ورمزية، فيجعل الرؤية الفنية تقود أعماله التشكيلية إلى التعبير الدقيق عن قيم متنوعة بعمق هندسي وتعبيري وثقافي واضح المعالم.
والظاهر في هذه التجربة، هي تلك الرؤية النقدية التي تحملها أعماله في بعدها الجمالي والفني والدلالي المستمد من الوازع الهندسي، وفي اختراقها له بالإحالة عليه، وبصنع مسافة، ليستفز الرؤية البصرية النقدية حتى تختبر محتويات هذه الأعمال التشكيلية، والكشف عن فنيات المبدع وابتكاراته التي غالبا ما تقود إلى أشياء تقنية خفية. فغالبا ما يضع أشكالا دقيقة الوضع، ثم يرفقها بأشكال أخرى، ينجزها بتلقائية وعفوية، دالة على معاني، تجعل القارئ يغوص في رحلة فلسفية بين المادة الصباغية والأشكال الهندسية، والأشكال التلقائية، لتشغيل حواسه، وللوقوف عند الرؤية الفنية المختبئة وراء هذه الأعمال، والوشائج التي تجمع بين عناصرها. إذ يخضعها لسلطة التأمل ويحاول العبور إليها بأسلوب ممنهج، يفسح المجال لتوظيف المهارات الفنية والتقنيات العالية، فينتج الدلالات والمعاني العميقة، ليختلف الشكل كليا عن الشكل المعتاد لما يحتويه من إشارات وعلامات وإيحاءات، لها تأثيراتها الخاصة ومعاييرها الجمالية النوعية.
نحت أوزاني تجربة رائدة في هذا المنحى التشكيلي، ما جعل فنه في مصاف الفن المعاصر، فاشتغاله على أشكال متنوعة بما تطرحه ريشته من إشكاليات فلسفية مختلفة؛ يصب أساسا في القيم الفنية والجمالية؛ فهو يتجه إلى صنع أشكال دقيقة في كل مفرداتها، وبوعي بمستويات الشكل واللون المطلوب، الذي يتناسب ورُؤاه المعرفية وحسه الإبداعي. فينطلق من الشكل لبناء الأساس التشكيلي بأسلوب فني يخدم رؤية مشدودة بعبَق المعالم الشكلية والهندسية، ثم يغوص في حضرة الفن التشكيلي الذي لا يكتفي باستدعاء المادة والاشتغال عليها؛ وإنما يتجاوز ذلك إلى كل ما هو رمزي وعلاماتي وتعبيري وإيحائي ودلالي، ليدلل على وعي المبدع بأعماق ما تكتنهه المادة المشكلة من هندسات وأشكال وألوان، فيوليها أهمية من حيث الصياغة الجمالية، ومن حيث صنع الإيحائية، خاصة أنه يبتعد عن التعقيد، وعن المساحيق اللونية. فتوظيفه اللوني والشكلي والرمزي يؤكد خصوصية الأداء الفني، ويكشف ما تخبئه أعماله من محمولات جمالية تزخر بالتأويل ذي الدلالات المفتوحة. وهذا يعد مكسبا إبداعيا يتقصد العلاقة القويمة بين الشكل الهندسي والشكل التلقائي واللون، وفق مرجعيات فنية وتشكيلية مشحونة بالطابع الرمزي والدلالي، يمكّنه من تخليد عدد من المفردات الفنية، التي تؤطر المادة التشكيلية في جوهرها، سواء على مستوى التكوين أو التقنيات أو الإضاءة، أو ضبط الأشكال من حيث هندستها ومن حيث التوزيع بين التلقائي والهندسي، أو على مستوى المادة الجمالية التي ترسخ جانبا من التداخل بين العناصر المنفصلة كافة، بكل ما تحمله الإشارات من معانٍ دلالية وتأويلات تميز في عمقها الخطاب التشكيلي في هذه التجربة المتفردة.
كاتب مغربي
القدس العربي