يعد هذا الكتاب أول كتاب أقرأه من الأدب الأمازيغي، والمدهش في حكاية الأدب الشعبي الذي أحبه بصورة مقلقة، أعنى الأدب الشعبي لدى لشعوب العالم، هل لأنه يعد إنتاج تجربة وناتج حكاية، وليس إنتاج من أجل الإنتاج فقط.
وأنا علاقتي بالأدب الشعبي تعود إلى طفولتي، حيث كنت أسمع وأرى أبي معلمي الأول: حسن عبد العزيز يحدثني عن الأميرة ذات الهمة وعنترة والزير سالم.
ومن هنا كبرتُ وأنا متشبع بالأدب الشعبي الذي كنت أسعى إليه في الموالد الشعبية التي كانت تقام كل عام في قريتي منية سندوب، وكان يأتينا الكبار في حكى السير من سعد الشاعر الى الشيخ سماعين الى أحمد مجاهد.
ومن هنا شبتت على حب هذا الفن الغنى بكل ما هو جميل.
ومن هنا وبعد ان مهدت الطريق لكتاب مهم من الأدب الشعبي الأمازيغي الذي نجهله تماماً، ليس تقصيرا منا نحن القراء، وانما لندرة وجود أدب أمازيغي متاحاً لنا، ومن هنا كانت لحظة مميزة عندما أمسكت بيدي كتاب بعنوان "غزلان الليل حكايات أمازيغية" جمعها أميل لاوست، ترجمة: إدريس المليانى وقد صدر الكتاب عن سلسلة كتاب الدوحة.
والحكايات من الأدب الشعبي الأمازيغي، وقد بذل المترجم جهدا ثقافي كبير ليقدم لنا ترجمة مميزة لتفيد القارئ، إفادة كبيرة لا تقدر.. وقدر صدر المترجم كتابة بمقدمة يوضح فيها أهمية الأدب الشعبي ونجده يقدم لنا قول الشاعر الشعبي "الكلام طليق لا يملكه أحد، أولى به من أحسن استعماله"، ونجد قول آخر: "الكلام الجميل يشبه القمح، ينفع من يدخره".
والأن نبدأ من نص "غزلان الليل" الذي يحمل الكتاب اسمه ليكون عنواناً، وهذا النص يحدثنا عن ملك تولى العرش وشؤون الحكم في نهار هذا اليوم وعندما دخل فراشة لينام لم يجد نوماً وإنما وجد قلقاً، فخرج من القصر ليتمشى في شوارع المدينة، فسمع همساً بين ثلاثة من الرجال وكانوا لصوصا يخطون للسرقة فتقدم منهم وتعارف عليهم وعلى تميز كل واحد منهم، فواحد قال انه يمكن ان يعرف ما يحدث خلف أي جدار بمجرد أن يقترب منه.
والثاني قال انه عندما ينبح الكلب فانه يعرف لما ينبح.
والثالث قال انه يمكنه ثقب أي جدار، ثم يسده كما كان، وهنا قال الملك أنه يمكنه أن يجفف ريق البشر.
واتفقا على السرق أي سرقة، فأشار الملك على أن يسرقوا خزنه قصر الملك؛ لأن بها الكثير من الذهب والمجوهرات وبالفعل توجهوا الى سور القصر وقام كل واحد بدوره وتمت السرقة على أحسن وجه، وقد رفض الملك ان يأخذ نصيبه، وقال انه كلما احتاج الى مال سوف يأتي إليهم.
وعاد الى القصر بعد أن تعرف على وظائفهم فواحد منهم مؤذن.. فطلب من رئيس الوزراء ان يقبض على ثلاث رجال وقدم له صفاتهم ومكانهم، وبالفعل تم القبض عليهم، وتم تقديمهم للمحاكمة، وأثناء المحاكمة طلب رئيس الوزراء منهم أن يطلبوا من القاضي أن يدافع عنهم رئيس الوزراء، وبالفعل تولى رئيس والوزراء الدفاع عنهم، وقد استحضر كل ثقافته الحياتية وحول الشاهد الذي هو الملك الى مدان في الجريمة، وهنا عفى الملك عن الثلاثة، وقد طلب منهم الملك أن يرحلوا بعيد عن مملكته، وقد فعلوا.
وفى نص يحمل اسم الأسد والانسان نجد تلك الحكاية التي يجب أن نستخلص العبرة منها، كما هي ميزه الحكايات الشعبية على مستوى العالم، حيث أنها مشبعة بالعبر والفائدة.
يقال إن الأسد كان يعيش وحيداً في الغابة، دون أن يجد من يتكلم معه ويتسلى، وفى أحد الأيام شاهد حماراً قادم اليه يجرى والخوف واضح عليه وقال للأسد احمينى يا ملك الغابة من الانسان انه يستعبدني في أعمال شاقة لا تنتهي أبداً، فقل له الأسد لا تخف أبقى عندي وعيش كما تحب وترغب أيها الحمار الطيب! وبعد يوم وجدا الحصان يأتي ويقول ما قاله الحمار في الانسان وكذلك البغل وكثير من الحيوانات التي توجد لدى الإنسان في حظيرته، وبعد بضعة أيام كان الأسد يتنزه في الغابة فوجد الأنسان فتقدم منه وطلب منه أن يأكله، فاندهش الإنسان من قول الأسد فرد الأسد بقوله لأنك تستعبد الحيوانات الأخرى وخصوصاً الحمار، هنا أيقن الإنسان المكيدة التي صنعتها الحيوانات له وخصوصاً الحمار، هنا تفق ذهن الإنسان عن طريقة للنجاة، حيث اقترح على الأسد أن يصنع له حجرة من الخشب تحمية من أمطار الشتاء؛ ولأنه نجار ماهر، فوافق الأسد وهو سعيد بذلك وبعد أن انتهى طلب من الأسد أن يجرب الحجرة ليرى هل تحتاج لتعديل أم لا، ودخل الأسد وأغلق الإنسان باب الحجرة ثم أتى بسكين وذبح الأسد ثم ساق الحيوانات الى ارضة ومزارعه.
في هذا النص يمكن ان نقول إنه العقل ولا شيء غير العقل الذى يجب أن يكون سلاحنا في تلك الدنيا، التي تعانى من كورونا، والفقر والتخلف، وعدم أخذ الحياة على محمل الجد ، كما أمرنا الإسلام وكما تريد الدنيا، فأول درس يجب أن نتعلمه من الرسول الكريم علية الصلاة والسلام، هو أن نأخذ الدنيا على محمل الجد، ولا نتراخى، ونستسلم للأمر الواقع، وأجدني من شدة حلاوة هذا النص أو الحكاية التي تحمل اسم "بومة مولاي سليمان"، أن انهى هذا المقال الذى أريد منه أن أسلط الضوء على الأدب الأمازيغي وخصوصا الشبعى منه، والحكاية تقول "أنا مولاي سليمان ملك الجان طلبت منه زوجته في أحد الأيام أن تنام على فراش كله مصنوع من ريش جميع الطيور، فجمع الملك سليمان كل الطيور لكى يأخذ من واحد ريشة ليصنع فراش لزوجته وحضر الجميع إلا البومة، فقال الملك للصقر:
هيا أحضرها.
ولما وصل الصقر الى جحر البومة قال لها:
لما لم تأتى الاجتماع هيا الملك يريدك.
ولما وقفت بين يد الملك سألها:
لماذا لم تحضري؟
فقالت له:
كنت مشغولة بإحصاء عدد الليالي والأيام وعدد الأحياء، من النساء والرجال..
فقال الملك:
آه سيكون هناك عدد الليالي أكثر من الأيام.
الأيام أكثر!
كيف عرفت؟
الليالي المقمرة ليست مثل الأيام..
والموتى أكثر من الأحياء؟
الأحياء أكثر؟
لماذا؟
الميت الذي يترك ذكرى حياة شريفة هو دائما في عداد الأحياء.
والنساء هل عددهن أكثر من الرجال..
النساء أكثر!!
ما الذي يجعلك تقولين ذلك..
الرجل الذي يتبع نصيحة امرأة أليس هو امرأة؟
_ دون شك.
إذن أنا امرأة.
مولاي من فمك أعلم ذلك.
وهنا صاح الملك: أيتها الطيور أنت حرة وطليقة، بنعمة البومة، الأقبح من الجميع لن ينتف ريشك.
سؤال هل يوجد أجمل من هذا، أظن لا".
لكن الأجمل هو أن يعاد قرأت المقال من جديد لكي نشعر بمدى عمق الأدب الشعبي الأمازيغية.