-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

قصة : حديث عن دمعة بليغة :محمد صوف

أنا مبتهج وخائف. حافل بالخوف. بأنواع كثيرة من الخوف. صوت آت من مكان ما مني يدعوني إلى نبذ الخوف. ويقول لي امنح طاقتك. أسأل  : لمن ؟
 يكرر .. امنح طاقتك و سيتلاشى خوفك و أكرر السؤال ..
لمن ؟
يتلاشى الصوت . لو عرف العصر الذي نعيش فيه والكابوس الجاثم علينا داخل بذلة رسمية لما تكلم .
أما هو  فقد رأيته هناك . كان جالسا على كرسي متحرك. حافي القدمين.الكرسي المتحرك على بلاط مكسور. على رصيف ما . رصيف كجل أرصفة المدينة المهترئة .على رأسه قبعة قديمة داكنة.تدلت يداه من كمي معطف مهترئ. تجاعيد اليدين تشي بحياة يطبعها التعب .على ركبته اليسرى اتكأت عصا خشبية متآكلة . من أسفل السروال أطلت قدمان هزيلتان .
 كان يحدق في اللاشيء.
أما أنا المبتهج الخائف أعلاه. فالصوت يدعوني إلى مزيد من الابتهاج ويقول لي دع ابتهاجك يحلق بجناحين وستدرك فضاء يسود فيه القلب.. الحزين و المفجوع و  الشقي  يخلقون جحيمهم. والرجل أمامي حزين..رأيته يبكي . دمعة واحدة فقط. لعل دموعه جفت وهذه التي تتدحرج من عينه اليسرى هي آخر رصيد له منها -  أي من الدموع-  ..دمعة قاسية . حثتني أولا ثم جعلتني ثانيا أحجم عن الاقتراب منه واستفساره عن سر هذه الدمعة . رغبتي في مؤاساته كانت لا تقاس . لكن كيف ؟ نظرت إليه دون أن أتوقف وعندما ابتعدت التفت نحوه. كان بدوره ينظر إلي
. ابتسمت له
 و حييته بحركة من يدي
. لست أدري ولكني أحسست أن الدمعة جفت و أن الرجل أطال النظر إلي و أمعن فيه  كأنه كان يريد أن يقول لي شيئا.
يعود الصوت المنبعث من داخلي ليقول .. جنتك ونارك  من صنعك. عليك أن تختار .أوصيك بأن تراقص قلبك حتى يختفي الإحساس بقدميك ثم اضحك .أضف الضحك إلى الرقص .غرد مع السرب و غرد خارج السرب .
ترافقني صورة الرجل و دمعته . ونظرته.. وأحاول أن أنساه فهل أستطيع ؟
 لا أفلح .
أقف أمام كشك و أقتني ديوان شعر. وفي البيت لا أفلح في قراءة بيت واحد منه. دمعة الرجل تزحف على البيت و تمحوه .
أسأل نفسي أيبكي هذا الشيخ دون علة ؟ فتضحك مني . وتجيب بالنفي.
أحاول أن أنام فترفض دمعته . أتقلب في فراشي و أراه .أقرر أن أذهب إليه و أحادثه .
و هكذا أستطيع  أن أنام..
في الطريق إليه يعود الصوت .
ها قد بدأت و بدايتك حسنة .قاوم خوفك. غص في أعماقك و اعلم أن الطمأنينة لن تأتي إلا من داخلك .اذهب إليه .
أطرق الباب . وأسمع صوت المزلاج ثم يطل وجه ..
يقول الصوت من داخلي  إنها جنتك .
تسأل نظرتها عم أريد .
يجيب صوتي :
أبحث عن شيخ يقطن هنا .
تنهمر دمعتان من عيني المرأة  وتجيب
كان يقطن هنا . مات البارحة.
خيبة أمل . هاهو الموت يجهض  حلما صغيرا . أحس بقدمي تخونانني .نوع من الغمام يلف دماغي و أحس بللا في مآقي .
من أنت سيدي ؟
كيف أرد ؟ أعبر لحظة صمت بحثا عن عبارة تسعفني .
أنا لا أحد. مررت من هنا أمس .كان أمام الباب.رأيته .رأيت دمعته. حييته .ابتسمت له .واليوم كنت أود أن أسأله عن سر دمعته . لكني عدت بعد فوات الأوان.
يفتر الثغر الأنثوي عن بسمة حزينة . تقول :
قد لا تصدق. ولكنه تكلم عنك في مذكراته .
لا أفهم
تدعوني للدخول .تقترح علي فنجان قهوة.و تمد لي دفترا مشيرة إلى آخر سطر فيه.
أقرأ:
اليوم أهداني شخص لا أعرفه ابتسامة وتحية دافئة.اليوم شعرت بأني إنسان .قضيت يوما جميلا.
يختنق صوتي و أفضل الصمت .
إلا أن  الصوت داخلي لم يصمت .لم يكن مختنقا . قال :
 أ رأيت ؟ ها قد قمت بالخطوة الأولى نحوك . والخطوة الأولى نصف الطريق .
سيرة الكاتب
ولد سنة 1950 بالدار البيضاء. تابع دراسته العليا بجامعة بوردو. حصل على الإجازة في الدراسات العربية والإسلامية وعلى الدبلوم العالي للبحوث في الدراسات الإسلامية والعربية من جامعة بوردو بفرنسا.
يشتغل مترجما.
انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1981.
عضو جمعية نقاد السينما بالمغرب، وجمعية مهرجان الدار البيضاء السينمائي.
 يتوزع إنتاجه بين القصة القصيرة، الروائية والترجمة. نشر في منابر: العلم، والاتحاد الاشتراكي، والبيادر، والمستقل، والأحداث، والصباح، والطليعة الأدبية، أقلام، آفاق عربية، العربي، الناقد، إبداع، ونزوى، وعمان، والرافد، ووجهة نظر، والـ  Al Bayane، وL'opinion، وLe reporter...
له الأعمال التالية:
تمزقات: قصص, الدار البيضاء, مطبعة الأندلس، 1978.
- رحال ولد المكي: رواية/ تقديم صدوق نور الدين, الدار البيضاء, مطابع دار النشر المغربية، 1980.
- حالات معتادة جدا: قصص، الدار البيضاء, ابريجيما، 1981.
- عصافير.. والبحث عن أوكار: قصص, الدار البيضاء, الكتاب، 1982 (طبعت بعون من اتحاد كتاب المغرب).
- الموت مدى الحياة, تونس, الدار العربية للكتاب، 1984.
- دائرة المستحيلات: قصص, طرابلس, المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، 1985.
- السنوات العجاف: رواية, الدار البيضاء, مطبعة خليل, 1990.
- كازبلانكا، مطبعة الشروق، 1990.
- حتى إشعار آخر، مطبعة الشروق، 1995.
- هنا طاح الريال، مطبعة الشروق، 1996.
- دعها تسير، مطبعة الشروق، 1997.
- النساء يكتبن أحسن (ترجمة)، مطبعة الشروق، 2000.
رواية : «أورام موروثة» نشرت على حلقات بجريدة بيان اليوم


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا