-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

تموّجات الحيرة ودلالاتها في ديوان "حيرة الطيف" لأحمد زنيبر.

        غلاف الديوان                         الشاعرأحمد زنيبر
تموّجات الحيرة ودلالاتها في ديوان "حيرة الطيف" لأحمد زنيبر.
 مصطفى مدائني (باحث وناقد من تونس) 
عن عن العالمية للنشر أصدر الشاعر والناقد المغربي أحمد زنيبر ديوانه "حيرة الطيف" في طبعة أولى سنة 2013 . والأديب أحمد زنيبر باحث نشر سنة 2007 "أطياف مائية" عن دار أبي رقراق بالرباط كما درس الشعر المغربي من خلال "المعارضة الشعرية عتبات التناص في القصيدة المغربية"سنة 2008. وخص السرد بدراسة وسمها ب "قبعة الساحر قراءات في القصة القصيرة المغربية" سنة 2009. ثم انغمس في بحث "جمالية المكان في قصص إدريس خوري" سنة 2009، كما قرأ المتن الإبداعي المغربي من خلال "مديح الصدى دراسات في أدب الغرب الإسلامي" سنة 2011 و"الانحياز إلى القصيدة قراءات في المتن الشعري الحديث بالمغرب" سنة 2012. ويتضح للقارئ الفطن أن أحمد زنيبر باحث مجد في عنصرين أساسيين لكل أدب معاصر هما الشعر والسرد. وكأننا بديوانه "حيرة الطيف" هو صورة مما يعانيه الأديب العربي في مطلع الألفية الثالثة. بل لعله تلخيص مدهش لمسيرة شخصية تسعى إلى تصوير واقعها المدلهم بأناة وتبصر ودون بكائية البكائين على غرار أهل الرومنطقية المغرقة في النحيب.
فكيف جاءت إبداعية احمد زنيبر في حيرة طيفه خاصة أننا نعده نقلة نوعية في أدب هذا الشاعر؟ 
لعل سعي الباحث إلى فهم مقاصد العنوان ثم التوغل في قصائده يفتح أمامنا المنغلق ويبين لنا سبل الولوج إلى أغوار نص أراد له صاحبه أن يوضح المعاناة في أدق مظاهرها بأناة وصبر نادري الوجود.

العنوان: قبل نبش خوافي العنوان على بساطة تركيبه{ مضاف ومضاف أليه} الدال على الامتلاك والملكية فإننا يحسن أن نؤكد أن العنوان يستلهم ما حبر الشاعر قبل نشره لهذا الديوان. فالطيف ورد جمعا في أول نص أطلقه الشاعر "أطياف مائية" والأطياف جمع قلة للطيف. وكأننا بالكاتب في حديثه عن الطيف سيكون أكثر وهج مما أبانه في أطيافه كما أن الحيرة مستمدة في الكثير من معانيها من العناوين التي فصلها الكاتب منذ العقد الأول من هذا القرن. فالحيرة نراها في عتبات التناص في قبعة الساحر في مديح الصدى بل في الانحياز إلى القصيد والقراءات التابعة لها. نحن إذن أمام نص ملخص لما سبق مجتهدا لتحليل الآتي المريب. أما المعنى العميق فانطلاقا من اللغة نلحظ أن الطيف هو بالأساس "الخيال في المنام" غير أننا نعلم أن الإنسان مخلوق جبل على أنواع من النوم فصلها العلماء منذ انبعاث الفرد في هذا العالم - المتاهة. فالنوم في مختلف وجوهه له أطيافه. فالنوم العادي له إيحاءات مرتبطة بالواقع. أما النوم العميق فأطيافه لها خصائصها التي قد تحيل إلى الفترات التي عاشها الفرد إبان خلقه. و في النوم المشوش تتشابك الصور وتتنوع الخيالات وتؤدي بصورة ما إلى الكوابيس والصراع المقيت من اجل البقاء. أما النعاس فمرحلة تكون في أغلبها أطياف بهيجة تحنو إلى استرخاء يطلب فيدرك. أما اليقظة والنشاط المستقطب وكذلك النشاط المفتون فكلها مراحل يكون الذهن فيها باحثا عن عالم منشود نطمح إليه كل الطموح ونسعى إلى الانغماس فيه لعله يبيح لنا الاحتفال بالحياة.
الطيف في كل هذه المراحل هو خيال لا يعيش معنا الواقع ولكنه يلهمنا المسار الذاتي بصورة من الصور.إن الطيف في معناه المطلق وبهذه الصورة هو الذات وهي تختلق من نفسها صورة تمد بها القارئ لحظة وقوع الحدث ومن ثمة كان الارتباط المتين بالحيرة.
المضاف هو حيرة من حار الكائن حيرة وحيرانا لم يهتد إلى طريقه ولم يدر وجه الصواب لكنه أيضا لم يخطئ ولم يغامر هو يعيش لحظة الأخذ والرد لحظة التردد المشوب بالجرأة المغلفة بالخوف. الحيرة إذن لحظة يكون فيها الفرد أمام سبل متعددة مختلفة هي حلول مهيئة تستدعي الوعي بها ثم اتخاذ القرار لاتباع الوجه المصيب. لكن لحظة الحيرة تبقى دالة بالأساس على عدم الوصول إلى الانفراج. فكيف كانت "حيرة الطيف"؟ هي بلا شك حيرة مضاعفة فنحن أمام كائن هلامي طيف خيال يسير في طريق غير معبد يجوب الحياة بالطول والعرض عصاه لغة طيعة في التعبير عصية في اتخاذ القرار.فكيف بنى الأديب تجربته؟ وإلى أي مدى كانت "حيرة الطيف" صورة منه؟
إن ارتباط نص العنوان بالنصوص السابقة للكاتب كانت على غاية من الجلاء، فأحمد زنيبر يكتب نصا ممتدا نصا مفتوحا وكأن هذه الأوراق ليست إلا فقرة تزداد طولا كلما اتسعت رقعة التجربة. كما أن ارتباط العنوان بعناوين القصائد كان جليا وهو ارتباط الكل بالجزء ف"حيرة الطيف" محور أحد عشر نصا وردت بدورها وفق نسق ارتآه الشاعر.
عناوين المجموعة: اشتمل الديوان على أحد عشر نصا شعريا. نصوص تحوم في فلك واحد هو "حيرة الطيف". ويتجلى في نظرنا في قصيد "طفل الفراشات" الذي نعتبره قطب رحى المجموعة. وأظن أن الكاتب قد يكون خامره هذا العنوان ليكون عنوانا جامعا مانعا. وهو بالنسبة إلينا يعادل عنوان المجموعة "حيرة الطيف". فالطيف ونعلنها منذ البدء هو ذاك الطفل الذي كان. إننا نرى أن "طفل الفراشات" هو بالضبط "حيرة الطيف" هو منطلقها وهو أيضا منتهاها... 
لذلك أوردنا منذ قليل أنواع النوم التي يعيشها الفرد منا في صغره. وربطنا التحليل به. والدارس الفطن يجد نفسه مرغما على اعتبار الشاعر الحق طفلا كبير السن كهلا طفوليا يعيش حيرة الوجود وقد يستبد به حد القلق. و من ثمة يتمثل أس العمل في قصيد "طفل الفراشات" الذي يستلهم قوته من العنوان العام حيرة الطيف في حين تتمثل القصائد في ثنائيات هي كالتالي:
1/ الثنائية الأولى ويمثلها النصان الأول والأخير (باب الخميس ص11 – سيدة المكان ص69) وهي مرحلة الوعي بالحضور.
2/ الثنائية الثانية (من وحي الرماد ص19– ذاك المساء ص63) 
3/ الثنائية الثالثة (ظل الطريق ص25 - ومضات ص53)
4/ الثنائية الرابعة (خروج القرصان ص29 – صرخة الريح ص49)
5/ الثنائية الخامسة (أنفاس مقطرة ص35 – نبيذ الحواس ص45)
فكيف تبدت حيرة الطفل؟؟؟
لتحليل ما سبق لن نتبع النسق العادي بدءا من الثنائية الأولى وإنما سنتبع نسقا عكسيا ننطلق من المحور وسنمتد في تحليلنا وفق تموّجات الحيرة التي تحيط بالبطل الإشكالي نعني الثنائية الخامسة فالثنائية الرابعة فالثنائية الثالثة فالثنائية الثانية لنستقر في الثنائية الأولى بفرعيها من باب الخميس وسيدة المكان.
المحور: "طفل الفراشات"
عديدة هي القصائد التي يركن فيها الشاعر إلى استلهام الطفل الكامن فينا ومن أروعها طفل الفراشات التي يفتتحها صاحبها ب:
على امتداد الرصيف 
ثمة ما يغري بالفضول
فتى يعرض حماقاته 
لا يلتفت إلى احد...
كان الظلام يغطي 
وجه المدينة 
والكلمات حيرى 
بين الدهشة والحصار... ص41
إن وصف الصبا من المواضيع التي تأخذ لب الكتاب لأن الكاتب يعلم أن الإبداع الحقيقي هو ذاك الذي يستعيد لحظات الطفولة الشادية بالحياة المنفعلة بها ولعل مقولة روسو أذكت لدى الشعراء والمبدعين أن الشاعر الأول برز إبان تلك الصيحة التي تخرج لحظة ورود الطفل الرضيع إلى الحياة. فما أن يتنفس الرضيع حتى يطلق صيحة الاحتفال بالحياة. والطفل بهذه الصفة ودوما وفق رؤية روسو حافظ للغة المثلى تلك اللغة التي هبط بها آدم من محله الأرفع إلى الأرض اليباب. لكنه ما إن علق بالأرض حتى تناسى كل شيء بل أثمن شيء وهو اللغة التي كان المولى قد وهبه إياها..
هو ذا الطفل 
يسابق الريح مثل الفراشات
وحيدا يرمّم جدار الحرف 
وحيدا يتكئ على عمره
حين الحرف تماهى
في البياضات...
هو ذا الطفل 
ينهض من رماد الوقت،
هو ذا يصغي لدبيب الصمت... ص42 – 43. 
والصمت هنا كناية على الحيرة الكبرى فالطفل يرد العالم لكي يعيد أو يستعيد بناء الكون. وبناء الكون هو فهمه واستيعابه وقراءته واكتشافه. فكيف تبدت الحيرة الكاشفة وهل بمقدور الطفل الذي استلبه مجتمعه النقاوة والصفاء أن يستعيد توهجه؟؟
التموج الأول: بين الأنفاس المقطرة ونبيذ الحواس
يتضح أن الطفل في تعطشه للمعرفة لا يرعوي عن دخول المعترك. ومن ثمة يمسي العالم المحيط محكا يجد فيه الصبي ملاذه. وهو في انغماسه فيه يعلم أنه يعيد اعتصار ذات مشوبة بالريبة والقلق. فيبحث دوما عن نقاوة عن صفاء كان قد تراءت إليه وهو في ذلك الرحم الذي وسمه جبرا ابراهيم جبرا بالبئر الأولى حيث كانت الدنيا بالنسبة إليه حلما أخاذا وهو الآن على علم أنه لن يعود إليها إلا إذا استعاد أنفاسه غير مشوبة بكدر الحياة الدنيا: 
يا من ضيع في العمر
سهامه
يتقاذفك البلور الأخضر
بأجنحة من بخار
تحمل الطير بعيدا
عن الضفاف
لا أفق...
لا انتظار ص36 
أن الأنفاس المقطرة هي تلك التي تلج الدنيا عن طواعية وتضرب فيها أشواطا وكلما تقدمت صقلت وكلما صقلت بلغت حواسها مبلغها و يشتد منها الحنين. وتعترف:
حين يهمس الفجر
بملء السحاب
ترتب الحواس أوراقها
وأمضي 
إلى أفق من خيال.. 
وتشعر النفس بالضيق بل لنقلها صراحة بالنقص المشوب بالتذكر لعالمها الخصب الذي نسيته في شعاب ضاربة في الماضي لذا يحتد داخلها فوضى حواس عطشى:
هي ذي الأرض تنهض
وهذا نبيذي يغمر المكان
و أنت وحدك من يقرا كفي
حين اختلى للمشهد
بلا أسرار...ص 45 
أليس العالم أكر كل يبحث عن صنوه الذي افتقد. وها النفس تلهج:
تمضي الطرقات وترحل
نحو العابر والآتي 
و أنت الحلم الذاهب
مني إلي...
فمتى يبدأ العدّ
ويعبر الضوء
حدود المدينة؟.. ص47
التموج الثاني: بين خروج القرصان وصرخة الريح
ارتبط الانسان بالسفر وفق وجهتين لعملة واحدة هي تبديع لصورة الفرد في تغيره المسرف. فمن ناحية يشقى السند باد في رحلاته التي لا تنتهي. وكلما عاد تنعم باسترخاء يأخذ اللب إلا أن جحيم الرحيل وحيرة الحياة تدفعه دوما إلى التوغل في حقول النواقيس البحرية. وفي الواجهة الأخرى ينبري القرصان ضاحكا من الأمطار والأنواء وكثيب الأمواج وهو في ذلك يحمل حيرة الوجود. فالقرصان خارج على الدوام لا يقر له قرار إلا في العواصف وعبر صخب الموت المتربص. فكيانه جبل على البحث عن اللامكان. وكلما استقر إلا وحاقت به الغمة وغمرته الحيرة وعالجه القلق ينفتح القصيد بالإعلان عن الخروج:
خارجا
من يباس المدينة
راح يقلب كفيه هازئا
باليقين ص29 .
وتلتذ برعشة الحياة:
يرتعش الجسد اليابس 
في الطريق الى حتفه
يحتمي بما تيسر
من بقاياه...
فمن يا ترى يرمم فراغ روحه
أو يجفف دمع المكان؟... ص30 
ولكنه كان على يقين بأن الأمر أمره رغم الأحقاد:
لك المجد أيها القرصان
لم يتعبك التجوال
وما أغوتك الأضواء...
سابقت العمر بأنفاس 
مقطرة
و أضحى المكان بريدا
في أروقة السماء..ص 32 – 33.
وكلما صمم القرصان على المضي قدما غير متهيب وكلما احتد فيه حب التوغل في المتاهة تعوي الرياح بما قد لا يشتهي وهو عين المراد. فالقرصان عنوان العصيان:
أيها الرائي
لك في النهر ماء
واستعارة تؤويك
وما شئت من أسرار
ومجاز يحميك
من كيد النساء
وزيف الحقيقة 
فلا تثق بالمعاجم 
كلها متغيرة... ص51 
إن تجربة القرصان وسط صراخ الأعاصير هي قمة الوجود المنشود. فالتجربة بلغت مبلغها وبقي الأمر العصي كيفية التعبير خاصة أن اللغة أبية صلدة كأداء...وهو ما نستشفه من التموج الموالي...
التموج الثالث: بين ظل الطريق والومضات
قد يضل (بالضاد لا الظاء) القرصان طريقه لكنه سيجد في البحث عن الظلال وهو بعد
حيم البحار تخر له الأرض وقد خبرها وأمست جنته وهو في كل ذلك عليم:
لا أمل في العودة
إلى رحم الأرض إلا بدرس
أكبر للموت..
يا قرصانا يغمض عينا ليرى 
يا من خبر الطريق إلى سره..
هل يفلح ملاح
أضاع الموج و السفينة ؟.. ص26 .
إن القرصان سندباد صامت تهرب منه اللغة وتجافيه. وهو بلا شك يبحث عن الأنيس عن
 يختزن القول بل يتحمل الومضات الحارقة:
عندما تنهي رسائلك 
لا تصدق كل الكلمات
وأنت تعيد قراءتها... ص 56 .
ف :
كم سافر في الحروف 
هذا الكائن الورقي
ولم تسعفه القصيدة...ص 62.
هل القرصان في حيرة الطيف ليس إلا ذاك المتألم الصامت لابد له من ظل يأوي إليه مدة كي يستعيد دورانه معيدا طبيعة الكون الذي جبل أصلا على الدوران. ثم أليس نظامنا الشمسي منبن أساسا على تتابع الليل والنهار و دوران الأرض حول ذاتها ودوران القمر و بقية الكواكب حول شمس إليها تتجه كل الأنظار دون كلل... ثم الا تكون الظلال مدعاة للراحة إلى حين.. التموج الموالي.
التموج الرابع: بين وحي الرماد و ذاك المساء
في هذه المرحلة من الرحلة التي تأبى على الشاعر أن تنصاع بيسر تكون التجربة قد بدأت تتوضح وإن بصعوبة. فالروح على اليقين أن الطين هو سر البلاء لكنه في آن صمام الحياة فدونه الروح تشرئب إلى الأعالي. لذلك يبوح القرصان بالحقيقة متخيلا الحوار بين الرماد والروح:
ليس ذنبي أن عيني
رأت ما لا تراه..
جلبابك أضيق مني
والكون أوسع من مداه... ص19 .
وها هو يستعيد الماضي جرعة واحدة:
ها قد نمت طفولة 
من بين الأصابع
وانفلتت مني حد الضياع
وما من أحد
يخفي عراء المكان... ص21 
ما من ليل إلا و الصبح
قد تلاه...ص22 .
ولا يجد القرصان سندباد العصر مندوحة من تذكر صاحبة ألف ليلة وليلة تلك التي غامرت من أجل بنات جنسها وتمكنت من تغيير المعادلة حيث أجادت الحكايات بصورة أبلغت وأمتعت بل أغدقت على البشر من أساطيرها ما كفل للعالم خيالا مجنحا على الدوام في حين بدا القرصان في قمة عيائه وتعبه وسكوته وخفوته:
كان كلما اشتد البوح
رأى شهرزاد ترقب الفجر
في كبرياء..
كان كلما هبت ريح في الأفق
جن العشب وحن الماء..
ثمة جنون يسبق إليها... ص63 
قالت منحتني عمرا 
يشتهي الموت كي ينسى
فكم يلزمك من صمت 
وكم يلزمني من كلام
فلا تأسى... ص64 
وهنا تتجلى الأشياء على حقائقها وفي عرائها. لذلك تمتد التجربة إلى منتهاها إن كانت للتجربة الإنسانية من نهاية..
التموج الخامس: بين باب الخميس وسيدة المكان
للمدينة أبواب متعددة لكن باب الخميس له خصائصه. ففي الغالب الأعم يكون باب الجيوش. ولعل الشاعر عن وعي أو دونه صور المدينة واستمد ضمنيا من الجيش بناء قصيده فالخميس هو الجيش وسمي خميسا لأنه يتكون من خمس فرق: المقدمة القلب الميمنة الميسرة والساق. وهذا البناء هو أيضا بناء القصيد. أن تجربة الطفل الذي تحول وفق قبعة الساحر الشاعر إلى قرصان أمين صامت ليلتحم بعدها بشهرزاد صاحبة بدع السندباد استحال الآن إلى مهندس لبناء يعلم أنه يلقيه في الريح لكي يتمكن مني ومنك ومنهم جميعا محاولا إدراجنا في لعبة قراءة مخصوصة فإذا الجموع تساهم بصورة من الصور في ارتشاف عطر قصيد شهرزادي السمة مستلهما تجربة قرصان بقدر تلاعبه مع الرياح والعواصف يشعر أنه صامت لا يقول، لكن شهرزاد سيدة الأمكنة بعثت فيه حب الاعتراف. فاختلق من نفسه كائنا ورقيا تمدد أمامنا على بياض ورق صقيل لكي يشكو لنا عجز اللغة عن بلوغ مرامه وهو في كل ذلك يذكرنا قصة ذلك النحات الذي رجته إحدى البلديات من أمريكا الجنوبية كي ينحت لها حصانا في عز هيجانه. وكان الأطفال يمرون أمام ورشته وكانوا يتمتعون برؤيته وهو منهمك في نشاطه يكسر ويصقل وينظف وهذا دأبه طيلة أشهر ونيف. ثم جاءت العطلة فغاب الأطفال ثم عادوا لكنهم صعقوا وهم يرون حصانا في قمة أنفته وهيجانه. مر الأطفال مندهشين مما رأوا إلا طفلا نابها تقدم برباطة جأش من النحات وسأله: عفوا كيف عرفت أن هذا الحصان كان مختبئا في تلك الصخرة؟؟؟وهذا عين ما نقرأ في الصفحة الأولى:
حين فاضت بحور الخليل
على أرصفة البوح
انهارت خيم المعنى
وغادرت مواضعها القوافي
نحو لا مكان...
هي ذي الحروف 
تتعثر بالبياض
ولا أحد غيرك 
في هذا الزقاق
يشد وثاق المجاز... ص11 
إن التموج الأخير هو ابتداع لنص يعلم صاحبه أنه اكتمل رغما عنه وهو وإن بعثه للوجود إلا أنه أكيد ما زال لديه ما يضيف لكن النص خرج إلينا هاربا من صاحبه وخارجا عن نطاق رؤيته ليلتحم بالكيان و يمسي بالتالي قادحا لرؤى مختلفة. ومن ثمة انجلت الصورة:
يا هذا الحاضر
كم هو شاسع هذا المدى
منه تقاطرت أنفاس
تنشد فجرا شمسه انفلتت
من بين الصفحات
نصيب العتمة بالدوار
وتنثر سؤال الوجود
على الشاهد والمشهود
من نحن؟
هل من مجيب؟...
قيل انكشف الغطاء
هي ذي سيدة المكان
فينقا يبعث من رماد...
هي ذي القصيدة
سكن لحبيب يسابق الأنفاس
بأجنحة لا تخيب...ص 72 – 73
خلاصة: يتضح للدارس الحصيف أننا أمام ميلاد جديد هو عود على بدء لقد افتتحنا كلامنا بالتلميح للطفل الكائن فينا بل بالفرد منا مازال نطفة علقة تفتقت منها أنسجة تشكل مع الأيام كائنا حيا يعيش في بوتقة على صغرها تختزل حقيقة الكون عبر وجود إنساني خاض التجربة ومازال يخوضها ويستلهم من التاريخ كل موروثه الذي سيتناساه، لكي يعيد بناءه من جديد حالما يصيح صيحة الوجود. والقصيد هو تكرار للميلاد ودفع له كي يكتشف مزيدا من النصوص التي مازالت في أفق خلق آت. واللغة مليئة بقصائد نصوص/ فصوص هي عالقة داخل صخرة اللغة. وهي تنتظر ذلك الرائي ذلك الأعمى حامل مصباح النهار اللص سارق النار في غفلة من الوجود لكي يضيء لي ولكم و لهم جميعا ما لا نرى و لا نسمع ولا نكتشف إلا بواسطته مباهج كون مليء بورود الطفولة العابقة. وهو عين ما حاولنا إماطة اللثام عنه من خلال ما هذه الورقات لكنه ما زال رغم ولوجنا في أعطافه عصيا لأن صاحبه أراد له أن يبقى حاملا للعتمة والظلال حتى يتسنى له الحضور والانتشار.



عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا