-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ساحة "الهديم" وسجن "قارة" يرويان كنوز مكناس

عبد المنعم العمراني-المغرب
قد يتملكك إحساس بالرهبة وأنت تتجول بين ممرات هذا السجن السحيق. تتنفس الصعداء بعد خروجك منه. تعرف أنك تقف فوق سقفه الذي تحول إلى باحة فسيحة،
يتوسطها مجلس سلطاني يسمى "قبة الخياطين".
كانت مدينة مكناس بمملكة المغرب عبارة عن مجموعة من القرى المتناثرة، قبل أن يسطع بريقها عندما جعل منها السلطان العلوي المولى إسماعيل عام 1672 للميلاد عاصمة لملكه الذي امتد لأكثر من نصف قرن.
أطلق عليها اسم مكناس نسبة إلى قبائل "مكناسة" التي كانت تستوطن المنطقة، واشتهرت بخصوبة أراضيها وغابات الزيتون والأرز، وبأنها كانت ولا تزال تستعمل لأغراض التدريب العسكري.
وقد بنى المولى إسماعيل بالمدينة قصبة (قلعة) سلطانية وأحاط المدينة بأسوار وصل طولها -طبقا للروايات التاريخية- إلى 47 كيلومترا، وفتح أبوابا في تلك الأسوار، أشهرها باب "منصور العلج" الذي يعتبر مدخل القصبة الرئيس من جهة الشمال الغربي.
باب تمتد أمامه ساحة "الهديم" التي تعود تسميتها إلى عملية هدم قام بها السلطان إسماعيل حتى تكون فضاء لتجميع جيوشه، واستعراضها قبل الانطلاق في حملاته العسكرية.
مسرح مفتوح
بعد عصر كل يوم، تتحول الساحة إلى مسرح مفتوح تتنوع فيه مظاهر الفرجة من موسيقى وألعاب سحرية وترويض للثعابين، يتحلق الحاضرون والزوار والسياح وقوفا، حول أنواع الفرجة هاته. من هنا جاءت تسمية هذه العروض بفن "الحلقة" الذي تشتهر به في المغرب ساحة أخرى، هي ساحة "جامع الفنا" في مراكش.
وفي حديثهم عن ساحة الهديم، يعبر أهل مكناس عن حسرتهم من إهمال يقولون إنه يمس ساحتهم مقارنة مع شقيقتها المراكشية. ويعيبون على سلطات مدينتهم لأنها لا تجتهد في الترويج لواحد من أهم المعالم التاريخية في المدينة.
تضم مكناس وفق المؤرخين ثلثي المآثر التاريخية للمغرب، لعل أهمها وأشهرها سجن "قارة" الذي نسجت حوله أساطير لا تعد ولا تحصى وفق أستاذ التاريخ د. عبد المالك الناصري الذي تخصص في مآثر مكناس وضواحيها.
يقول الناصري إن ما يلفت الانتباه في هذا السجن أنه بلا مدخل، فهذه المداخل التي نرى اليوم ليست أصلية بل شيدت بعد ترميمه. وأيضا ما يشد الانتباه أكثر هو أنه لا حدود له، حيث تقول بعض الروايات إنه كهف جبلي يمتد تحت القصبة السلطانية إلى أن يصل إلى ما تحت جبل زرهون شمال مدينة مكناس.
وتشير روايات أخرى إلى أنه كان مطمورة -وفق تعبير المغاربة- وهي الخزان تحت الأرض، ثم أصبح سجنا في فترة من الفترات الصعبة في الحياة السياسية لهذه المدينة.
"الدهليز" أو "السرداب" أو "سجن النصارى" كلها أسماء تحيل تاريخيا إلى "حبس قارة" الذي ترجع بعض الروايات التاريخية اسمه إلى مهندس برتغالي كان يدعى "قارة" أو "كارا" يقال إنه أشرف على حفر دهاليز السجن وبناء أقواسه وممراته.
إحساس بالرهبة
قد يتملكك إحساس بالرهبة وأنت تتجول بين ممرات هذا السجن السحيق. تتنفس الصعداء بعد خروجك منه. تعرف أنك تقف فوق سقفه الذي تحول إلى باحة فسيحة، يتوسطها مجلس سلطاني يسمى "قبة الخياطين".
في المقابل، قد لا تجد أثرا لهؤلاء وأنت داخل القبة. تسأل أهل الاختصاص عن الخياطين، فتفهم أن المجلس كان يستعمل لاستقبال السفراء والبعثات الأجنبية لتطبيع علاقات المملكة مع جيرانها وأعدائها -أو بعبارة أهل ذلك الزمان- "لتخييط العلاقات".
يتلاشى إحساس الرهبة بعد أن يعود المرء إلى ساحة الهديم، بجلبتها وضوضائها وناسها. ساحة يرفض بعض من أهل مكناس مقارنتها بساحة جامع الفنا المراكشية.
ويشرح "المكناسيون" للزائر أن هذه الأخيرة كانت مكانا للفناء أي للقتل. أما ساحة الهديم، فشيدت لتكون متنفسا على الحياة وقلبا نابضا لمدينة مكناس، التي ما يزال يحلو لأهل المغرب أن يطلقوا عليها اسم العاصمة الإسماعيلية.

المصدر : الجزيرة

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا