مازال السلفيون يعتبرون حلمى النمنم، وزير الثقافة، هو عدوهم الأول، ومازالوا يراهنون أن وصولهم إلى البرلمان سيمر على جسر شتيمته وانتقاده وسبه على المنابر،
كل هذا العداء والتربص لأن حلمى النمنم قال عبارة بديهية جداً، وهى أن مصر علمانية، تصحيح العبارة من وجهة نظرى أن مصر نصف علمانية أو شبه علمانية، وأن مصدر معظم مشاكلنا أننا لسنا دولة علمانية بجد وبحق وحقيقى.
يصرخ السلفيون: نحن شعب متدين بالفطرة، وماله برغم أننى أجد الأخلاق فى الحضيض والسلوكيات فى أسفل السافلين، لكن حنعديها، إذا كنا متدينين بالفطرة فنحن علمانيون بالضرورة، وهى ضرورة اللحاق بالحداثة والحضارة التى لن نصل إليها إلا بالعلمانية، خطابى لن يكون للسلفيين ولكن للمواطن الذى ضحك عليه السلفيون وأوهموه بأن العلمانية هى الجاهلية الكافرة الملحدة، وأن العلمانى هو الشيطان سفير جهنم، لذلك لابد أن نعيد ونزيد فيما تحدثنا فيه كثيراً من قبل، العلمانية أسلوب وليست عقيدة أو ديناً، هى مجرد أسلوب تفكير ومنهج تعامل وآلية حل.
ولذلك فهى ليست ضد الأديان، ولكنها أكبر ضمان لحماية الأديان. وأكرر حماية الأديان، لأن الفكر الأصولى يحمى ديناً واحداً ويقصى الآخرين، إنما الفكر العلمانى يحمى كل الأديان لأن همه الأساسى المواطن وسؤاله الأساسى هو عن هذا المواطن حاضره ومستقبله لا دينه وعقيدته، وليسأل كل منكم نفسه عن المساجد التى شيدت فى أوروبا من أموال دافعى الضرائب هناك بجانب الكنائس والمعابد اليهودية والبوذية، ويكرر نفس السؤال والبحث عن بلاد أصولية فى محيطنا العربى لا ترفض بناء الكنائس والمعابد فقط، بل تمنع وتجرم بناء مساجد لأصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة عن مذهب العائلة الحاكمة!
إذا كانت هناك آراء لمفكرين وفقهاء مسلمين كانت معادية للعلمانية فهناك على الجانب الآخر فى تراثنا آراء أخرى تعتبر علمانية صريحة، لذلك النمنم ليس أول من قال وأشار إلى ذلك المعنى، فمعنى العلمانية تكرر كثيراً فى تراثنا المستنير العقلانى المسكوت عنه، أليست علمانية أن يقول ابن المقفع «إن الدين يسلم بالإيمان، والرأى يثبت بالخصومة. فمن جعل الدين خصومة فقد جعله رأياً، ومن جعل الرأى ديناً فقد جعل رأيه شريعة»، أليست علمانية مقولة الأفغانى رداً على القديس أوغسطين الذى كان يقول إن سلطة الكتاب المقدس هى أكبر من جميع قوى العقل الإنسانى، فرد الأفغانى بحسم قائلاً: «إن الدين يجل عن مخالفة العلم الحديث، فإن وقعت المخالفة وجب تأويل الدين»!، أليست علمانية صرخة الإمام محمد عبده حين قال: «إن تعارض العقل والنقل أخذ بما يدل عليه العقل، ولكل مسلم أن يفهم عن الله وعن كتاب الله، ومن كلام رسوله بدون توسيط أحد من سلف ولا من خلف»، أليست علمانية ما قاله عبد القادر حمزة فى المقتطف 1904 حين كتب «القرآن لا يتضمن سوى قوانين عامة لجميع الناس، وأن لكل أمة حق التصرف انطلاقاً من الحكمة المتضمنة فى هذه القوانين».
حين يقول السلفيون نحن لا نحتاج إلى العلمانية بل نحتاج إلى حزب ذى مرجعية إسلامية، من حقنا أن نسأل من صاحب هذه المرجعية؟
حين تجيبنى الله والرسول، أجيبك بأنه ليس من حق أحد أن يحتكر الكلام باسم الله والرسول، فالله والرسول لن يحكما بنفسيهما، والوحى لم يعد يهبط على أحد، ومن حقى أن أسأل: هل ستتخذون الشيخ الغزالى مرجعاً حين رفض النقاب وهوجم فى السعودية أم ستتخذون رأى الشيخ عمر عبد الرحمن؟!، هل ستسمحون لى بأن تكون مرجعيتى الشيخ محمد عبده الذى حارب من أجل فكرة الوطن، أم ستفرضون على رأى سيد قطب برفض فكرة الوطن أو المرشد السابق الذى قال عن فكرة الوطن طظ!، هل من حقى أن أرفض مرجعية مفتى الإخوان عبد الله الخطيب الذى حرم بناء الكنائس أم ستفرضونها علينا بالقوة بصفتكم محتكرى الدين ووسطائه الوحيدين ومفتيكم عبد الله الخطيب وليس على جمعة… إلخ!!
ألست معى قارئى العزيز فى أن العلمانية هى حل بسيط لكل هذه المشكلات والتناقضات، وأهم ما فيها أنها لا تدعى العصمة، وإصلاحها ونقدها وتغيير قوانينها لا يعتبر ردة أو كفراً.