كثيرة هي الأسماء الإعلامية المغربية، التي كان وما يزال أثرها واضحا
على الأحداث والوقائع التي عرفها المغرب خلال القرن الماضي، أذكر منها على سبيل المثال
واحدا،
تتلمذ على جهابذة الفكر المغربي في الزمن المغربي الراهن، رافقهم في مسيرتهم
السياسية والوطنية، وتعلم منهم حرفة "الصحافة" ليصبح علما من أعلامها إلى
جانبهم.
أتحدث هنا عن الأستاذ محمد أديب السلاوي، صاحب كتاب " أوراق خارج
الأقواس" الذي دون فيه جزءا يسيرا من سيرته الإعلامية، وهو الجزء الذي يحكي فيه
بمزاج ومتعة، كيف استقطبته مهنة المتاعب إلى بحورها في مطلع ستينيات القرن الماضي،
وكيف شدته إلى حقلها الممتع / إلى عذاباتها المهنية خلال نصف قرن من الزمن.
في هذا الجزء اليسير والممتع من سيرته الإعلامية " أوراق خارج الأقواس"،
يحكى الكاتب بأسلوبه الجميل / البسيط والممتع، الذي يمزج بين الأدب والتاريخ والسياسة،
عن علاقاته وصداقاته وارتباطاته المهنية والثقافية والسياسية مع الزعيم،الشاعر، والباحث
والفقيه علال الفاسي، ومع القاص والكاتب والصحفي الديبلوماسي محمد التازي، والشاعر
الرومانسي محمد الطنجاوي والمسرحي مصطفى التومي، والمؤرخ الباحث عبد القادر الصحراوي،
والأديب الألمعي عبد الجبار السحيمي والشاعر الروائي عبد المجيد بن جلون، والعالم اللغوي
عبد العزيز بنعبد الله، والصحفي الموسوعي محمد العربي المساري، وغيرهم من الأسماء التي
أنارت له الطريق نحو النجومية.
في هذا الكتاب / المذكرات، يسافر بنا المؤلف محمد أديب السلاوي، في رحلة
طويلة وممتعة، تمتد من مسقط رأسه مدينة فاس إلى عواصم شرقية وغربية، يتوقف بنا في العديد
من المحطات، الرباط، باريس، القاهرة، دمشق، برلين، تونس، الجزائر، عمان، طهران، صنعاء،
ويفتح بنا المجال للتعرف على المهام الإعلامية التي قادته إلى هذه العواصم وغيرها وعلى
الشخصيات التي التقى بها أو حاورها.
وما يلفت في هذا الجزء الهام من سيرته، ذلك الاهتمام البالغ الذي أفرده
الكاتب إلى الشخصيات التي ركزت وجوده وحضوره بمهنة المتاعب / الصحافة، والتي ركزت شغفه
بالحرية والعدالة الاجتماعية، ودولة الحق والقانون والقيم الأخلاقية والدينية.
في هذا الكتاب، قدم قراءته للزمن الذي احترف فيه مهنة الصحافة، تحدث بليونة
ولطف عن الأحداث التي عاشها المغرب خلال هذه الفترة، وعن الرجالات الذين اثروا فيها،
وعن انتماءاتهم وإيديولوجياتهم، كما تحدث عن العلاقات التي ربطته بمجالات الفنون والآداب
والثقافة والسياسة خلال هذه الفترة.
وفي هذا الجزء اليسير من سيرته الإعلامية تحدث الأستاذ السلاوي، أيضا
عن المهام الإعلامية التي تحملها داخل المغرب وخارجه، بعيدا عن الصحافة المكتوبة، إذ
عمل مستشارا إعلاميا لعدة وزارات ومنظمات دولية، وشارك في تنفيذ العديد من البرامج
والسياسات التي قادته إلى الانخراط في الزمن السياسي الذي وجد نفسه جزء لا يتجزأ من
فاعليته.
كاتبنا الكبير، محمد أديب السلاوي، لم يتطرق في هذا الجزء اليسير من مذكراته
إلى إنتاجه الإعلامي / مقالاته السياسية والثقافية والنقدية وتعد بالمئات إن لم نقل
بالآلاف التي تابعت الأحداث المغربية والدولية، والتي قرأت بإمعان قيمها ومفاهيمها
/التي نشرها بالجرائد الشعبية ( العلم / القدس العربي / الحياة / الثورة (العراقية)
وجميعها لا تشهد فقط على ثقافته الموسوعية، ولكن أيضا على عطائه الفكري المتميز الذي
يحث على التسامح وتغليب العقلانية، وعلى الانفتاح على الحضارة الإنسانية.
ما نتمناه، هو أن يعمل هذا الكاتب الموسوعي، الذي أكدت لنا كتبه العديدة
(أزيد من خمسين كتابا) أن اطلاعه واسع على تاريخ وطنه، وعلى التاريخ الإنساني وعلى
تاريخ الفنون، والفلسفة واللغة، ما نتمناه هو أن يجمع مقالاته المدفونة بالصحف / الورقية
والالكترونية / داخل المغرب وخارجه، ليتمكن قرائه من الجيل الجديد من قراءتها والتمتع
بما جاء بها من أفكار وأخبار وقيم، كما نتمنى أن لا يبخل على الجيل الجديد من الإعلاميين
المغاربة، بما تبقى من أجزاء سيرته الإعلامية.
إن " أوراق خارج الأقواس" فاتحة نيرة لمسيرة رجل أعطى حياته
/ كل حياته لمهنة المتاعب، ليصبح نجما لامعا من نجومها في المغرب الحديث، وهو ما يجعلنا
نقول لوزير الإعلام في بلادنا، ونؤكد القول، أن هذا الكتاب، يجب أن يكون مقررا بالمعاهد
الإعلامية المغربية، لما يختزنه من دروس ومعلومات تتصل بتاريخ الصحافة في بلادنا، وبأحد
أعلامها في الزمن المغربي الراهن... وأن يكرم مؤلفه التكريم اللائق بشخصيته وعلمه وإنتاجه
الثقافي والإعلامي اللامحدود، فمن العيب كل العيب ،أن يوضع اسمه في زاوية النسيان في
العهد الجديد للمغرب الجديد، وهو علم بارز من أعلام وطنه في هذا العهد.