الزعيم الجزائري آيت أحمد
خاص
رحيل
آيت أحمد:حينما يستنهض الميت أحياء الجزائر رمضان مصباح الإدريسي
طائرة
واحدة وقلوب شتى:
برحيل الزعيم الجزائري آيت أحمد- 89 سنة- بمنفاه
" الاختياري" بلوزان السويسرية،يغادر الطائرة "Le Douglas DC-3
d’Air Atlas" – المقرصنة من طرف المخابرات الفرنسية في 22 أكتاوبر 1956،آخر ركابها ؛
لتواصل رحلتها براكب لا يترجل أبدا:انه التاريخ.
كان
المضيف في الرباط المرحوم محمد الخامس،وكانت
الوجهة تونس لحضور ملتقى مغاربي يحضره الملك والزعيم التونسي الحبيب بورقيبة.
يصر
الصحفي المصري هيكل على أن لولي العهد ،وقتها ،الأمير مولاي الحسن،صلة ما بالأمر؛وهذا
ما تدفع به حتى بعض القيادات الجزائرية التي بكرت بعدائها للمغرب. وهناك من يفسر هذه القرصنة بترتيب مخابراتي فرنسي
لصناعة زعامة لأحمد بنبلة تؤهله لرئاسة الجزائر ،المقبلة على التحرر.
أسجل
هنا أن الراحل آيت أحمد ظل ،طيلة حياته ،يبرئ المغرب من أية علاقة بالحادثة.
وعلى
أي فهي طائرة "مغاربية" ،بعلبة سوداء تفسر الكثير من الملابسات التي أحاطت
بقيام دولة الجزائر المستقلة ،التي انتهت أسيرة بيد قائد جيش الحدود ،الراحل هواري
بومدين ؛الذي ثبت أنه لم يطلق أية رصاصة في وجه القوات الفرنسية.
ومن
هنا فلن يترجل التاريخ الجزائري أبدا من الطائرة ؛حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط
الأسود ؛ويومها ستعرف الشعوب المغاربية ،كيف تم الانقلاب على كل طموحها في الوحدة.
"ما مات حتى مات مضرب سيفه":
لقد
اجتمع في هذا القائد التاريخي للثورة الجزائرية ما تفرق في القيادات الأخرى التي أخلصت
للقضية؛وظل وفيا لنهجه الثوري إلى أن وافته المنية؛بعيدا عن وطن ،توفرت له كل الظروف
التاريخية،السياسية ،والاقتصادية ليمضي حرا ، مدنيا ،ديمقراطيا ،ومغاربيا لكنه لم يفعل.
حتى جغرافية الوفاة ،هنا، عمل ثوري مفتوح؛لأنها ،وان أفضت فيها روح آيت أحمد، ستظل
تسائل ،متوترة،القوات الحية بالبلاد – حاضرا ومستقبلا- عن ال"لماذا" ؟و عن أي مآل لكل هذا ؟ .
تسائل
عن كل أبناء الثورة ،البررة،الذين أهدرت دماؤهم
،أو شردوا. أيُّ سجن يتسع لآيت أحمد ،لبوضياف وآخرين في تراب الجزائر المستقلة؟
أي رصاص
ثوري ،وأي أيادي تخنق هامات وقامات جزائرية جالدت المستعمر وجلدته؟
نعم،
"مامات حتى مات مضرب سيفه واعتلت عليه القنا السمر"،كما يقول الشاعر.
كانت
البدايات الثورية في ميعة الشباب (19 سنة)
ب"عين الحمَّام" ؛ حيث تبوأ آيت
أحمد ،تلميذ البكالوريا ،الصدارة النضالية ،بمنطقة القبائل الكبرى؛ضمن "حزب الشعب
الجزائري"PPA الذي أسسه مصالي الحاج بالجزائر ،في مارس 1937 ،بعد أن منعت فرنسا حزب "نجمة شمال افريقيا" ENAالذي سبق أن أسسه بفرنسا سنة1926.
رغم
التفاف الشباب القبائلي ( الحسين آيت أحمد،علي لعمش،عمرو ولد حمودة،رشيد علي يحيى ،عمر
أوصديق،مبروك بن الحسين...) وقتها، حول الأهداف الأساسية لهذا الحزب ،وخصوصا تحرير
الجزائر،فإنهم لم يجدوا فيه صدى لمطالبهم الخاصة المتعلقة بالهوية الجزائرية ،الثقافة
واللغة الأمازيغية(البربرية حسب الاستعمال الجاري آنذاك).
سيكون
هذا مدخلا لصراعات حزبية داخلية كثيرة انتهت بغلبة التيار العروبي الإسلامي، الذي كان
واقعا تحت التأثير القومي البعثي ،ومقولات
الأمير شكيب أرسلان ،الموجه الكبير لمصالي الحاج. أفضى الصراع إلى النظر إلى النزعة
"البربرية"
BERBERISME،باعتبارها نيلا من وحدة النضال
،بل خيانة للوطن ؛خصوصا وقد ظهرت ونشطت بفرنسا. جراء هذا اعتقلت العديد من القيادات
القبائلية؛ونُكب التيار كلية غداة استقلال الجزائر.
هناك
ملابسات كثيرة ،لا يتسع لها المقام،تحيط بغلبة "الجزائر العربية الإسلامية"
التي نادى بهام مصالي الحاج ؛ل"الجزائر الجزائرية" التي آمن بها آيت أحمد
ورفاقه الأمازيغ. ثنائية لا يزال قطباها في صراع إلى اليوم .وفي التفاصيل تيارعروبي
إسلامي كان ينحو نحو الاعتدال في مواجهة المستعمر
،والاكتفاء أحيانا بمطالب إصلاحية فقط،بل وحتى المشاركة السياسية والانتخابية؛وتيار
بربري لم يكن يرى بديلا للعمل المسلح ؛وقد دفع الحزب دفعا صوب تأسيس "المنظمة
الخاصة":
ORGANISATION SPECIALE؛الشهيرة بOS(1947).
(ناب آيت أحمد - بداية- عن رئيسها
،ثم ترأسها ،لتنتهي قيادتها إلى أحمد بنبلة.اشتهرت ،بالخصوص، بالهجوم على بريد العاصمة
الجزائر ،والاستحواذ على المبلغ المالي الأول- وقد كان مهما- الذي شكل عصب عملياتها
ضد الكولونياليين.)
يقول
بوضياف(1974) مسجلا ما طرأ من تحول على حزب الشعب الجزائري:
" شيئا فشيئا تميعت وطنية حزب الشعب الجزائري ،بتأثير
الأعيان؛الخاضعين بدورهم ل (نصائح) الاعتدال،الصادرة عن التيارات البورجوازية العروبية
؛مفرغة ،هكذا،الحزب من محتواه الثوري .هذا العمل التقويضي الايديولوجي ،كان صادرا ،
بالتأكيد ،عن قيادة الحزب"
عن عمرو
وردان:
La «crise berbériste» de 1949, un conflit à plusieurs faces
وعليه
فالحسين آيت أحمد ،القيادي التاريخي –ضمن آخرين- لجبهة التحرير ،والمهندس –ضمن آخرين
أيضا- لاندلاع الثورة الجزائرية ؛لا يمكن أن يخفي آيت أحمد آخر آمن بالقضية القبائلية
،منذ أن نظم ،بمعية زميله ،آيت عمران (1945) النشيد "الوطني" القبائلي الأول:
KER A MISS WMAZIGH:"انهض يا ابن الأمازيغي".
نضال
داخل النضال ؛ظل محفوفا بمخاطر شتى ؛وصولا ،في بعض الفترات،إلى استسهال اتهام الزعيم
،وكل التيار،بالخيانة ؛فالعدو الداخلي ،المتمترس بكل الايدولوجيا العروبية ،و حتى الدعم
الحزبي المغاربي – العروبي الإسلامي بدوره-
لم يكن يقل شراسة عن المستعمر ،الذي أدرك منذ البداية ،أن أعتى رياح المقاومة هي التي
ستهب عليه من أعماق الوعي الوطني القبائلي
المبكر ،بجبال الجرجورة .
وعي
مبكر ،وانخراط قبائلي كبير ،في حزب الشعب الجزائري.يؤكد هذا آيت أحمد نفسه بقوله(1983) في "MEMOIR D’UN COMBATTENT3:
"بعد أبريل 1946 ،كنت أشارك في اجتماعات المكتب الوطني التنظيمي للحزب
،ممثلا لمنطقة القبائل.وقتها فقط اكتشفت أن من ضمن أربعة عشر ألف منخرط(14000) في الحزب
،بلغ عدد القبائليين عشرة آلاف(10000)؛دون احتساب المتعاطفين.وقد تمكن الحزب من الصمود
،ماديا ،بفضل الدعم المنتظم للتجار ،ومساهمات المنخرطين المتواضعة "
عن عمر
وردان.نفسه.
نضال
التحرير، واتهام آيت أحمد بالعمالة للحسن الثاني:
رحيل آيت أحمد: وفاة بطعم الميلاد رمضان مصباح الإدريسي(2)
شهادات لاتوقع على الوفاة فقط:
"إن وفاة
المناضل الكبير والوطني الغيور المرحوم حسين آيت أحمد لخسارة كبيرة، ليس فقط لعائلتكم
الكريمة، وللجزائر الشقيقة، التي فقدت فيه أحد قادتها التاريخيين الذين قادوا معركة
التحرير وناضلوا طيلة حياتهم من أجل الحرية والديمقراطية، بل وأيضا لبلده الثاني المغرب.."
محمد السادس،ملك المغرب
" كان
مخلصا لوطنه ،حريصا على وحدة أمته ،جريئا في مواقفه ،وفيا لمبادئه، لطيفا في تعامله
،بناء في انتقاداته شريفا في معارضته لبعض المسؤولين الذين كثيراً ما اختلف معهم في
نمط الحكم ،وأسلوب التسيير .لا يساوم ولا يهادن في قضايا وطنه التي آمن بعدالتها و
كافح من أجلها سحابة عمره"
عبد العزيز بوتفليقة،رئيس الجمهورية الجزائرية
"
.. شخصية عالمية ناضلت من أجل استقلال الشعوب وحقوق الإنسان”. “ضرورة تحقيق
مشروع حسين آيت أحمد، ببناء مشروع الاتحاد المغاربي، لأن أوضاع المنطقة صعبة وتتطلب
الوحدة أكثر من أي وقت مضى"
عبد الرحمن اليوسفي،وزير أول مغربي سابق
"
..حتى قبل اندلاع الحرب ضد فرنسا سنة 1954،تأتى للوطنيين الجزائريين تصور
دولي للصراع الذي يرغبون في خوضه.الرجل الذي بلور هذه الإستراتيجية يدعى الحسين آيت أحمد .لقد كتب سنة1948 وثيقة على درجة كبيرة من الأهمية،حدد
فيها إستراتيجية للحرب ،مستلهما فيها كبار استراتيجيي الماضي ،مثل:CARLE
VON CLAUSEWITZ أو ERNEST
JUNGER."
المؤرخ الأميريكي:
Matthew Connelly
يستطيع آيت أحمد أن يبدأ الآن:
هذا بعض عزاء شعري، للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، في عمر بن جلون ؛الذي اغتالته قوى الظلام في شتنبر1975.
(يستطيع ابن جلون أن يبدأ الآن
فالفقراء يعيشون في أمة الفقراء
التي لاتموت ولا تندثر)
يستطيع آيت أحمد أن يصدح ، الآن،
بكتابه النضالي ؛في جزائر مرغمة - اليوم، أكثر من أي وقت مضى - على الإصغاء إليه، ميتا
بعد أن استكبرت وهو حي ؛وأسلمت قيادها لآخر من التحق بصفوف الثورة؛ولأولائك المُخلَّفين
، الذين لازموا ثكناتهم لسنين ،بتونس والمغرب ؛إلى أن عبَّد القادة التاريخيون والشهداء
– عسكريا ودبلوماسيا- الطريق إلى الدولة المستقلة؛فعبروا إلى العاصمة، بدباباتهم الصدئة
،ليستلموا الحكم ؛ويسيروا البلاد كما اتفق،إلى اليوم.
ليس هذا مجرد ورود نثرية، من مزرعة العاطفة المغاربية الجياشة شعبيا ؛والباردة
كثلج القطبين رسميا ؛بل الرجل ظاهرة ثورية ،جزائرية ،مغاربية،وعالمية؛واليكم الأدلة
التي تسموا على مجرد تدبير تفاصيل الثورة الجزائرية؛كما هو مسجل في رصيد بقية القادة
التاريخيين:
1.تقرير
1948
إن الوثيقة التي يتحدث عنها المؤرخ الأميركي
CONNELLY( أعلاه) أنجزها الحسين آيت أحمد ،وعمره22 سنة . أنجزها بصفته رئيسا للذراع
العسكرية للحزب المعروفة ب OS ؛منذ نونبر1947،خلفا لرئيسها
الأول بَلْوزداد.
شكلت الوثيقة/التقربر أرضية للنقاش ،على مستوى اللجنة المركزية الموسعة
لحزب الشعب الجزائري؛التي اجتمعت سريا ب"زدين"
لبلورة "إستراتيجية ،وتكتيكات ،لحرب الجزائر" حسب ما يذكر المؤرخ
الجزائري محمد حربي.
إن المجازر التي ارتكبتها القوات الفرنسية ،مدعومة حتى بالطائرات الحربية،في حق ساكنة مدينتي
"سطيف " و"كالمة"،في 8ماي 1945؛وأسفرت عن استشهاد الآلاف من المواطنين
،لم تترك للحزب من خيار عدا حمل السلاح.
ومن المفارقات أن يكون هذا اليوم الدموي ،في تاريخ الجزائر،هو اليوم الذين عمت فيه العالم بشرى اندحار النازية ،ونهاية الحرب العالمية الثانية.
لم يزد الأمر بالنسبة لساكنة سطيف على الإحاطة السلمية بفرنسيي الجزائر ،وهم يرقصون
فرحا،بالحث الكبير، في شوارع المدينة.
ولعل من رفع العلم الجزائري،يومها ،من الجزائريين ،وهتف طالبا الاستقلال،كان
يعتقد أنه في حلبة فرح فرنسي ،سيفضي تلقائيا
إلى استقلال البلاد؛لأن الحرية لها طعم واحد بالنسبة للجميع.تحركت الآلة الاستعمارية
لتحصد أرواح أزيد من 3000،مواطن جزائري،حسب تقديرات المؤرخين ؛وسقط من الأوروبيين أزيد
من 100 قتيل.(تتمسك الدولة الجزائرية برقم 45000 شهيد)
هذه هي الخلفية المرعبة والمباشرة
التي كان آيت أحمد يصدر عنها في تقريره ؛دون
أن تغيب عنه خلفية أخرى –من جنسها ،وان بعيدة- نكلت فيها فرنسا بالجزائريين قاطبة ؛إذ
ثاروا سنة 1871؛دون أن يتأتى لهم لا التنظيم ولا السلاح؛مما حولهم إلى قطيع ماشية تذاءبت
عليه الذئاب الاستعمارية من كل فج،وعاثت فيه نابا وظفرا.
حتى لا يتكرر هذا كان على الشاب آيت أحمد أن يسير،في تقريره، فوق الحراب
،حافيا،حتى يتأتى لقطار الثورة السير فوق سكة سليمة ،ومفضية حقا إلى استقلال البلاد
؛وليس إلى مجرد قتل جزائريين آخرين ..
لقد ظهر ،في التقرير ،بحنكة قتالية لا تضاهى ؛لكن في نفس الوقت أعطى للنضال
الدبلوماسي ،الذي لم يكن مفهوما كلية وقتها ،مكان الصدارة
:
"هذه
الدورة الاستثنائية للجنة المركزية ،يجب أن تراجع ،في العمق والسطح،سلم الأولويات الذي
تحكم ،إلى اليوم، في مسيرة الحزب.إن التوقعات الجديدة تقتضي منه تغيير الروح والطريقة،معا." آيت أحمد 1948
إلى جانب انتقاده للاستنهاض العام الأهوج ،على غرار ما حصل سنة 1871،
اعترض على الأصوات المطالبة بالدخول في مسلسل الاغتيالات ،على مستوى الكلونياليين والجزائريين
المتعاونين ؛خصوصا الذين قبلوا لعبة المستعمر ،وترشحوا للانتخابات بمنطقة القبائل(1945).
هو يعترف أن حرب التحرير تقتضي هذا ،لكنه يفضل عليه تصفية النظام الكلونيالي ،برمته ؛ وليس تمكينه – بالاغتيالات- من ثأر لا
يبقي ولا يذر.
" إن الانتقام
للنفس يقع في صلب الثقافة المغاربية ؛لكنه لا يبلور تصورا للقوة ،و للشروط التي يجب
أن تفضي إلى نجاح مؤسسة التحرير." آيت أحمد
وفي الدفاع عن أطروحته الداعية إلى خلق التناغم بين النضالين العسكري
والدبلوماسي ،يقول الشاب - طالب البكالوريا
- في نفس التقرير :
" إن الحرب
وسيلة للسياسة ؛وكل أشكال حروب التحرير يجب أن تقاس بمعيار السياسة. تدبير هذه الحرب
هو عين السياسة؛والصراع المسلح يتحول إلى سياسة
،في مستواها العالي.."
وبحنكة كبيرة يقوم بتنزيل ميداني لهذا التصور الاستراتيجي ،حين ينادي
ب:" استنفار الطلائع المنظمة عسكريا ،للقواعد الشعبية المنظمة بدورها سياسيا ؛والمُؤطَّرة
بإحكام"
" استراتيجيا
لا يوجد نصر عسكري ؛إن النجاح الاستراتيجي
هو التحضير الملائم للنصر التاكتيكي"
هذه بعض المحطات القوية في التقرير الذي صودق عليه بالإجماع – تقريبا-
وكل المؤرخين المنصفين يُجمِعون على أنه شكل اللحظة الحاسمة في التحول من النضال المتوحش
إلى الإستراتيجية التحريرية الواضحة والصارمة
،القائمة على دعامتين أساسيتين:
النضال المسلح والحضور الدبلوماسي الفعال ،عبر العالم.( الاستثمار الميداني
للتقرير حصل في 1954).
" مع الأسف
– يقول الباحث الجزائري بوبكر آيت بنعلي- حصل ،ما بعد 1957، وهو التاريخ الذي استحوذ
فيه الكولونيلات على مقاليد الثورة ،أن انحسر العمل السياسي .ستدفع الجزائر ثمن هذا
الخطأ غاليا .هكذا ،وبعد الاستقلال ،أصبح الرئيس يختار ،استنادا إلى قوة الدعم الذي يحظى به على مستوى الجيش ؛وليس بناء
على مؤهلاته في إقناع الشعب الجزائري"
2.آيت
أحمد وإستراتيجية التدويل:
المسار الأول عبر محطة القاهرة، التي استقر بها،قادما من زيورخ ،بدءا
من فاتح ماي 1952؛ مطاردا من طرف المستعمر .ومن المفارقات أن الهروب من الجزائر كان
أولا إلى باريس، بهوية مزورة،تحمل اسم سعيد فرحي.
في سنة 1953 كان من ضمن الحضور ،في ملتقى
الأحزاب الاشتراكية الآسيوية ، ب:RANGOON(
برمانيا)؛وقد تمكن ،مع مرافقيه،من حمل هذه الهيئة على الإعلان
عن مساندة حركات التحرر المغاربية؛ وتشكيل مكتب مناهض للكلونيالية يتابع أشغال منظمة
الأمم المتحدة.
بعد هذا ،وكنتيجة لتحركه ما بين باكستان ،الهند وأندنوسيا ،تمكن من تشكيل
لجان دعم، بهذه الدول، للثورة الجزائرية.
في فاح نونبر 1954 التأم شمل الثلاثة:آيت أحمد ،بنبلة، وخيضر ،للإعلان
من القاهرة عن ميلاد جبهة التحرير الوطني.
وإذا أضفنا إلى هؤلاء قادة الداخل الستة:كريم بلقاسم ،محمد بوضياف،رابح
بطاط،ديدوش مراد،مصطفى بن بولعيد ،والعربي بن لمهيدي ؛فإننا سنكون أمام النواة الصلبة
للقادة التاريخيين الذين أشعلوا الثورة الجزائرية.
في أبريل 1955 ترأس آيت أحمد وفد الجزائر بباندونغ ؛حيث قدم ،بمعية وفدي
المغرب وتونس "مذكرة مغاربية" تطالب باستقلال هذه الدول .
يؤكد المؤرخ الفرنسي Yves
Courrière أن الفضل في طرح المسألة الجزائرية ،في هذا المؤتمر
يعود إلى الجهود الشخصية لآيت أحمد ؛الذي قضى شهرا كاملا من المفاوضات باندونيسيا – قبل انعقاد المؤتمر- لإقناع الرئيس
سوكارنو بمشاركة جبهة التحرير الوطني.
وفي مستهل 1956،تمكن ،بمعية رفيقه أمحمد يزيد من فتح مكتب لجبهة التحرير
الوطني بنيويورك ،لتتبع أشغال الأمم المتحدة.
وعليه فهذه مجرد محطات دولية
بارزة ،تمكن فيها هذا القائد التاريخي الكبير،الذي كان يتقن سبع لغات، من التنزيل
الفعال للشق الدبلوماسي من إستراتيجيته المتكاملة التي دافع عنها في تقريره المذكور؛والتي
صححت المسار التحرري لحزب الشعب الجزائري
.
3.الدا
حسين المغاربي:
" أجدد
هنا تعهدي بقيام اتحاد مغربي ديموقراطي .لن نمس بالأمل الديمقراطي الذي يتضمنه المغرب
الكبير .من طنجة إلى بنغازي ،من نواكشوط إلى الليزي ،يوجد شعب واحد." آيت احمد في أربعينية الزعيم المغربي عبد الريحيم
بوعبيد.
وجود عبد الرحمن اليوسفي اليوم ،في الجزائر،لحضور جنازة رفيق دربه ،ومضمون
شهادته – أعلاه- تؤكد على أن الجذوة المغاربية
التي أجمع عليها الكبار التاريخيون – تنزيلا لنداء طنجة الشهير- لا تزال مشتعلة ،رغم
سياسة الأرض المحروقة التي أتقنها الصغار ،العابرون في سياسة منخفضة ،ستغمرها أمواج
الشعوب عاجلا أو آجلا.
يحضر اليوسفي اليوم في
"آث يحي " القبائلية،معزيا، بعد أن حضر – بتكليف من عبد الرحيم بوعبيد- ذات
تاريخ ظالم ،في الجزائر المستقلة,ليدافع عن آيت أحمد أمام مجلس الثورة الجزائرية
(1965).
" مجموعة
مهمة من نخبنا هجرت المعركة الجماعية من أجل اتحاد مغاربي قوي ،ديموقرطي و موحد ،في
البحث عن مصالحه.هذا ليس جديدا في تاريخنا. ما سيكون جديدا هو تجاوز تراجعاتنا القاتلة
،أنانياتنا القبلية أكثر مما هي وطنية ؛ وهذا النوع من القدرية FATALISME التي
تدفعنا لقبول الأسوأ ،حينما يبدوا لنا الأحسن ثقيلا" آيت أحمد
عساها تكون فعلا بطعم الميلاد:
أوصى الراحل ،في حياته ،بجنازة شعبية في مسقط رأسه ؛رافضا بهذا جنازة
رسمية تمكن بعض العيون من إزالة القذى عنها ،وتمكن الجزائر العميقة من ترميم ما تهالك
منها . هو الرافض الكبير لقرصنة الثورة والدولة
،من طرف من نعتهم ب "الكوبوي".
وهو الرافض لرئاسة عرضتها عليه قيادات الجيش ؛قبل أن تعرضها على الراحل بوضياف؛لأن الرجل لا يحب الانقلابات الرعناء ،لا
يشارك فيها ،ولا يسكت عنها.لم يستمع إليه بوضياف – المتلهف على إنقاذ الجزائر- وهو ينصحه بأن حبل الكذب قصير ،حتى في تسيير الدول.
اليوم أيها القيادي الجزائري والمغاربي الكبير ،لا صوت يعلو على صوتك
في الجزائر.لقد فضحت جميع المستكبرين ،بوفاتك أخيرا بعيدا عن وطنك ؛ لكن قبل هذا أصررت على مواصلة فضحهم ،إذ حادوا عن قيم الثورة
ومبادئها ،وتنكروا لرفقة السلاح.
انك تمضي بجسدك فقط إلى مثواك الأخير؛أما سبعون عاما من الكفاح والصمود
على المبدأ فليس بوسع أحد أن يدفنها.
إن البصر ،اليوم، في الجزائر حديد ؛أكثر من أي وقت مضى. وعسى هذا الشعب
الجزائري الأبي الذي نحبه هنا في المغرب ،ينهض
ليجعل الحاضر و المستقبل ينصفان قادة تاريخيين للثورة ،أحبوا الجزائر فظلموا ،وأحبوا
المغرب فظلموا أكثر .
http://sidizekri.blogvie.com