تنضم الصحيفة اليومية البريطانية، "ذا انديبندانت" (The Independent) قبل نهاية شهر آذار (مارس) 2016 إلى صفوف الصحف والمجلات التي توقفت عن الصدور
بصيغة ورقية، وسوف تكتفي بالصدور بصورة إلكترونية.
الصحيفة فتية مقارنة بغيرها من الصحف البريطانية، فهي دخلت الميدان في عام 1986، في حين أن غيرها من الصحف يصدر منذ مئة سنة أو أكثر.
نجحت "ذا انديبندانت" في مغامرة الدخول إلى ميدان الصحافة الذي شهد تكدسا في امتلاك وسائل إعلامية مختلفة وحصرها في أيد قليلة، من أشهرها روبرت ميردوك. وقد جاء الخطر على استمرارها في الصدور من حيث لا تتوقع، لا هي ولا غيرها، وأقصد الإنترنت.
أحدثت الإنترنت تغييرا عميقا في عادات القراءة ووسائل الحصول على المعلومات. وأذكر في بداية انتشار الإنترنت تبرير الصحف العربية عدم وجود مواقع لها بأن ذلك يؤثر على المبيعات، وعندما ظهرت مواقع إخبارية إلكترونية، تبين للصحف أن عدم وجودها على الإنترنت سيكون انتحارا.
وسرعان ما تحولت الإنترنت أيضا إلى وسيلة إعلانية، فصارت الإعلانات الثابتة والمتحركة تنشر في كل المواقع تقريبا، إلى درجة أنها تؤثر على متعة القراءة.
وقد تحولت الإنترنت منذ سنوات إلى البديل الوحيد للاستمرار في الصدور، وإلا فالإغلاق هو المصير المحتوم عندما تصبح جهة ما غير قادرة على توفير التكاليف، أو تحمل الخسارة نتيجة وجود مشروع آخر مربح ماليا، ولا تشفع لأحد شهرة أو عراقة أو مجد حقيقي أو متخيل.
الغريب أنه في الوقت الذي تقرر صحيفة مثل "ذا انديبندانت" وقف النسخة الورقية، هناك صحيفتان يوميتان تصدران بصورة ورقية، وتوزعان مجانا، إحداهما "مترو" (Metro)، التي توزع على أبواب محطات قطارات الأنفاق (المترو).
الغريب أنه في الوقت الذي تقرر صحيفة مثل "ذا انديبندانت" وقف النسخة الورقية، هناك صحيفتان يوميتان تصدران بصورة ورقية، وتوزعان مجانا، إحداهما "مترو" (Metro)، التي توزع على أبواب محطات قطارات الأنفاق (المترو).
المسافر الذي يرغب في تفادي الشعور بالضجر أثناء الرحلة يتصفح الصحيفة المجانية التي يجدها على باب المحطة، أو متروكة على مقاعد القطار. آخرون يشغلون أنفسهم بهواتفهم الجوالة، أو بقارئ إلكتروني.
الصحيفة اليومية الورقية المجانية الثانية هي "ايفنينغ ستنادرد" (Evening Standard)، وهي صحيفة مسائية لم تكن مجانية قبل سنوات، وصارت الآن مثل "مترو" توزع على مداخل محطات قطارات الأنفاق، وخاصة محطات وسط لندن.
في الصحيفتين الورقيتين المجانيتين الكثير من الإعلانات، ولولاها لما أمكن استمرار صدورهما.
إذن ما بدا خطرا على الصحف الورقية في البداية أصبح المنقذ لها من الإغلاق. ولكن النشر الإلكتروني له قضاياه أيضا، فبعيدا عن المفاضلة العقيمة بين الورقي والإلكتروني، لا تزال مسألة نشر الصحف إلكترونيا مقابل رسوم اشتراك تشكل عقبة من غير السهل تجاوزها، لأن الجمهور اعتاد على الحصول على المعلومات من الإنترنت دون مقابل. (هناك العديد من الجهات التي لا تفتح ما تنشر إلا للمشتركين).
إضافة إلى ذلك، كل الخدمات المجانية مربوطة الآن بالإعلانات، فإذا ذهبت إلى موقع يوتيوب سوف تشاهد إعلانا قبل بدء كل فيديو تريد أن تشاهده، وقد تشاهد أكثر من إعلان أثناء مشاهدة فيديو طويل.
كما أن بعض المواقع التي نستخدمها، مثل فيسبوك، تحصل على معلومات من حاسوبنا عن المواقع الأخرى التي نزورها، فإذا ذهبت إلى موقع ما بحثا عن كاميرا رقمية، ثم ذهبت إلى فيسبوك ستجد أمامك إعلانات ذات علاقة بكاميرات رقمية.
الصحف الورقية التي تصدر مجانا يجب ألا تتوقع أن تجد فيها سبقا صحفيا يكشف فسادا مثلا، بل ستجد فيها الكثير من الأخبار عن الفنانات والفنانين وما شابه ذلك من أخبار لا تهمك حقا، ولذا إن اعتمدت عليها كمصدر معلومات، فسوف يتعمق جهلك بالشؤون العامة وما يؤثر على حياتك، بعد شهور قليلة (يحدث هذا أيضا إذا اعتمدت على مصدر إعلامي واحد، مهما كان جيدا).
الإشكالية الأخرى المتعلقة بالإنترنت هي أنها في بداياتها كانت الفضاء الحر، ولكنها اليوم وسيلة المراقبة، فإن كتبت شيئا لا يعجب السلطات في بلدك، تجد نفسك عرضة للاعتقال، وقد يحكم عليكم بالسجن الفعلي.