والسؤال إذن: هل هو كذلك؟ وإذا كان هو كذلك فلماذا
هو كذلك؟ وإذا لم يكن كذلك فلماذا هو متهم بأنه صانع الارهاب؟
وهنا يثير سردار سؤالاً فى حاجة إلى جواب: هل ثمة
إشكالية كامنة فى عصر المعلومات؟
جوابه بالايجاب والاشكالية هى على النحو الآتى:
إن عصر المعلومات يفضى إلى اللامركزية، وبالتالى إلى مزيد من الديمقراطية والتنوع الثقافى،
ومن ثم إلى تنمية مهارات جديدة يكون من شأنها دفع عجلة الانتاج. وفى هذا السياق قيل
إنه كلما زادت المعلومات زادت المعرفة وزادت قوة التحكم. ولكن ما حدث هو على النقيض
من ذلك وهو أنه مع ازدياد المعلومات لم يعد الانسان متحكماً لا فى البيئة ولا فى المجتمع،
إذ حدث تدهور فى البيئة وتفكك فى الأسرة، ولم يعد أحد يعرف شيئا عما هو قائم أو عما
هو قادم.
هذه هى إشكالية عصر المعلومات على نحو ما يرى سردار،
ولكنه يرى إشكالية أخرى مغايرة فى العالم الاسلامى أثارها على هيئة سؤال: هل يلزم العالم
الاسلامى أن يحتضن تكنولوجيا المعلومات وهى تكنولوجيا تتسم بالشمولية أى بالتحكم فى
الكل، ومن ثم يقامر بالسقوط فى نوع جديد من الاعتماد على الآخر، أو يلزم أن يحتفظ بمصادره
الهزيلة ويتجاهل تلك التكنولوجيا ولكنه فى النهاية يقع فريسة فى يد الآخر وهو الغرب؟
ويجيب سردار باثارة إشكالية جديدة وهى على النحو
الآتى: إن العالم الاسلامى ليس فى إمكانه تجاهل التعامل مع تكنولوجيا المعلومات ولكنه
فى الوقت نفسه ليس فى امكانه التعامل معها من غير نقد. ونقده يلزمه، بحكم العادة، بتصور
هذه التكنولوجيا على أنها نوع من الاستعمار الجديد لأنها من انتاج الغرب، وبناء عليه
فإنه ملزم بتفريغها من قيمها الغربية. فهل هذا التفريغ ممكن؟ وأنا بدورى أحيل فى الجواب
عن هذا السؤال إلى مؤرخ أمريكى اسمه ريتشارد متشل كنت قد دعوته للمشاركة فى مؤتمر دولى
عقدته فى القاهرة فى عام 1979 تحت عنوان « الاسلام والحضارة». أما بحثه فقد كان عنوانه
« التكنولوجيا والقيم». وكان رأيه أن التكنولوجيا تنطوى بالضرورة على نسق ما من القيم.
أما فى العالم الاسلامى فثمة تيار شائع يدعو إلى استيراد التكنولوجيا الغربية بعد استبعاد
نسق القيم الخاصة بها. وسبب ذلك مردود، فى رأيه، إلى أن الاسلام دين ودولة، والشريعة
هى المنظمة لهذه العلاقة. ومن هنا فإن الشريعة هى التى تجعل الاسلام متميزاً عن المسيحية
لأن كل شىء فى الاسلام متعلق بالله وحده. وقد وعدنى ميتشل بارسال بحثه بعد ادخال بعض
التعديلات ولكنه تردد فى ارساله ومات. وسبب تردده مردود إلى أنه كان متخوفاً من الدخول
فى صراع مع مجلة « الدعوة» على نحو ما حدث عندما نشر كتابه المشهور» مجتمع الاخوان
المسلمين» وهو صراع أحدث اضطراباً فى حياته بلا حدود.
وأظن أن ما ارتآه ميتشل متسق مع ما ارتآه سردار
من أن الاسلام دين ودولة، لذلك يلزم ابتداع تكنولوجيا معلومات خاصة بالعالم الاسلامى
وذلك لا يكون إلا بأسلمة العلوم أيا كانت ومن هنا كان العلماء والفلاسفة المسلمون على
وعى بأن تناول المعلومات من غير قيم اسلامية يكون بلا معنى، وأنه من اللازم ارتباط
المعلومات بالرؤية الكونية الاسلامية التى يقع «التوحيد» فى أعلاها، وبالتالى تتحدد
مكانة كل من المطلق والنسبى وذلك بانصياع النسبى للمطلق، أو بالأدق بانصياع المعلومات
التى هى نسبية للقيم الكامنة فى الرؤية الكونية الاسلامية وهى رؤية مطلقة ويحصرها سردار
فى سبعة مكونات: التوحيد والعلم والحكمة والعدل والاجماع والشورى والأمة الاسلامية.
ومن شأن التوحيد عدم خضوع المجتمعات الاسلامية لأى قوة خارجية لأن هذا الخضوع نوع من
الشرك لا يستقيم مع التوحيد بل ينفيه.
والسؤال بعد ذلك: هل تستقيم الرؤية الكونية الاسلامية
لتكنولوجيا المعلومات مع الدعوة إلى الحوار أيا كانت سمته؟ أظن أن جواب سردار يكون
بالنفى لأنه يرى أن كل رؤية كونية منغلقة على ذاتها بالضرورة إلا أن هذا الانغلاق فى
رأيه لا يمنع القول بالتعددية أيا كانت سمتها ولكن يمنع الدعوة إلى الحوار أيا كانت
سمته. وماذا إذا قيل عن العالم الاسلامى إنه مصدر الارهاب؟ إذا كان هذا القول صحيحاً
فمعناه أن هذا العالم هو وحده المسئول عن محاربة الارهاب. وإذا لم يكن صحيحاً فليس
لأحد الحق فى دفع ذلك العالم إلى محاربة الارهاب لأنه منغلق على ذاته. والسؤال بعد
ذلك: ما العمل؟
تأسيس ذهنية علمانية يمتنع معها اعتقاد العقل فى
قدرته على قنص الحقيقة المطلقة الكامنة فى أى رؤية كونية أيا كانت سمتها الدينية.