إلى كل شاب يلمس في نفسه ضُعفا إزاء الخُدعة
الدينية،كيفما بدت و تسمت:
في كل عملية انتحارية – مزعومة لله- تنفذها شدائد القرون
الغابرة،بكل زقومها
وسدرها، في حق حاضرنا ؛ويتأبطها ،شرا، الفقه الدموي،حمال
الجماجم، والعاهات، بدل الأوجه والخلافات؛يتأكد قطعا أمران:
الأمر الأول: شاب تشظى انفجارا ،بمحض إرادته ؛وقد كان جسدا واحدا،حيا،كأجساد
سائر الناس:
تعلق به الخَلْقُ
الإلهي عَلَقَة في رحم أمه،وكما نمت وتحولت؛ثم الحُبُّ،الرزق ،الإسعادُ؛وما شئت
مما يُقْدرِنا عليه الله تعالى،ويُمتعنا به، لنحقق مشيئته في خلقه وكونِه ،حالا
ومآلا .
مشيئة لم توكِل-
بالتأكيد- الدمارَ والقتلَ للناس ؛وإِلاَّ ما كان لهذا الخَلْق المتنوع ،و الطافح
ثراء، من معنى.
لو كان بوسعنا أن نقيس نصيب الواحد منا ،في هذه
الحياة،من الهواء,الماء،الطعام ،النور ،الحرارة،التراب،السماء،وسائر الكواكب
والأجرام والنجوم،وهي بالملايير؛ وما عدا هذا مما نعرف ولا نعرف،لوقفنا على
كرم رباني ،مادي، عظيم ؛إضافة إلى ما تيسر
للروح،وما يحيط بها من أسرار، وما ينتظرها في خلودها ؛مما لا يعلمه غير خالقها.
أمع هذا البذخ ،هِبة من الله بدون مقابل،يمكن للواحد منا
أن يتوهم أن الله يقبل منه انتحاره؛وأكثر من هذا يقبل منه الاعتداء على أرواح
الناس؟
الأمر الثاني : ضحايا أبرياء داهمهم هذا الذي تشظى ،حينما
كان كتلة واحدة تسعى، رهيصة ومخاتلة؛ ليعيث تفجيرا في أجسادهم .
أبرياء تعلق بهم – بدورهم – الخلق الإلهي ،الحب،الرزق ،الإسعاد ؛وكل ما أراده الله ليقيم
هذا الكون الرائع،ويُضَمِّنه بذورَ المحبة ،والتوق الأبدي للسعادة في الدارين
؛والذوبان النهائي في الملكوت الخالد..
ومع هذا تتوالى تفاصيل
تدبير مسرح الجريمة ،التي غدت ،من شدة
تكررها، مألوفة.
ثم ينتهي
المشهد،بل الفضيحة التي أرادها المنتحر لنفسه،بغسل الأرصفة والردهات من
الدماء؛وانتظار أن يقرر شاب /شباب آخر ،وفي موقع آخر من العالم ،تشطيب اسمه وأسماء
أخرى من السجل الإلهي للحياة.
هذا الذي لم
يعشق من الألحان غير الجنائزي؛ولم تكتحل عيناه بغير لون الدم؛وما رأى فوقه
الطيرَ ،صافات ويقبضن،فرحا بالحياة والحرية في الأعالي؛وما انتبه إلى الأرض، وقد اهتزت بعد همود، وربت وأنبتت من كل
زوج بهيج ؛إذ أجرى فيها الله الأنهار
والجداول والعيون.
هذا الذي أصَمَّتْهُ قصائد الموت ،ففاته الإصغاء إلى صخب
الحياة ,بل دفقها وهديرها ؛ في القول
الإلهي الجليل، الذي قضى ألا يترك كائنا حيا يركن إلى صمت القبور:
"
إن فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فأحيى
بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ" يعقلون"
البقرة:164
هذا الذي والذي .. لم يكن صادقا – و بالدليل الدموي -
إلا في اثنتين:
الموت انتحارا،
والقتل كرها لحياة الآخرين؛ بما هما استسلام لجبن مقيت،بل لخجل من حياة رائعة، في
صخبها ،ناطقة حتى في صمتها.
حياة يرى نفسه دونها،حتى وهي في بداياتها ،وهو مجرد علقة
في غياهب الرحم؛ تستجيب لقدرها في النمو والتحول، وتقهر كل مثبطات الحياة الخَلوية
.
كيف يصبح الإنسان،
حينما استوى، قويا راشدا، أضعفَ منه وهو مجرد عَدم يتشكل في الغيابات ؟
غالبت الخلية البشرية كل المنايا التي حامت حول حماها الهلامي؛فهل
يحق لها بعد هذا ،وقد استوت قوية وعاقلة أن يختار لها غيرها الموت انتحارا،والقتل
انفجارا ؛تقتنع به مصيرا ،ونهاية لكل سعادة الحياة،ولحلم لن يعاود صاحبه أبدا ؟
لا جنة للمنتحر ،ولو قاتل مع النبي:
كل ما عدا هذين الثابتين: الانتحار والقتل ،محض كذب ؛ بدءا
من هذه التي سماها لنا الإعلام الغربي"دولة إسلامية"،ولم يحِد عن هذه
التسمية ،حتى وهو يعلم ما تتضمنه من إسناد وتزكية. يصر هذا الإعلام على فضحنا بهذا
الحمل غير الشرعي ،حتى وهو يبارك في مجتمعاته الأطفال الطبيعيين،كما يسميهم.
حينما تراودك أيها الشاب أحلام الفروسية والبطولات –وربما
إغراء المال فقط – وتبحث حتى في قمامات الفقه المتحجر عن التبريرات ،و"
الفيزا" صوب الجنة ؛تواجه بها نفسك اللوامة ،إن لم تكن الأم الباكية ،والأسرة
الحزينة،فاعلم أنك مقبل على خرائط ليست كالخرائط ،وكلام ليس كالكلام الذي
ألفت،وثقافة أزهى ألوانها الدم :
*خرائط لن تعرف من يحكمها فعلا ؛حتى "
الخليفة" الذي بايعت لا يعلم منها إلا ظاهرا ضئيلا.
*سترى الناس يُكبرون حتى وهم بأبواب المراحيض؛وترى
قادتهم يُصلون ،وهم في الحقيقة مدلسون ملحدون ،أغلبهم من مخلفي البعث ،وغربان المخابرات
العابرة للقارات.
*سيحدثك مؤطرون دينيون بكلام يصعب عليك تأصيله ،تحقيبه ،ومذهبته ؛هذا إذا كنت على حظ من العلم ؛أما إن كنت
جاهلا فستتصور أنك أمام أنبياء جدد ؛وأن ما سمعته عن خاتم المرسلين صلى الله عليه
وسلم، وألا نبي بعده، ليس سوى هراء.
*ستخوض مع القوم معارك يوهمونك فيها بفروسيتك
وبانتصاراتهم الساحقة ؛و في الحقيقة ما هي إلا "بروباغوندا" على الطريقة
النازية لإنتاج الأبطال "الانغماسيين" ؛إن لم يكن حتى الآلهة والأنبياء.
*ستسأل زملاءك عن عتاد القوم الثقيل والمتطور؛من أين
يأتي ،ولن يجيبك أحد،لأن لا أحد من الصغار يعرف.
*ولا أحد بوسعه أن يجيبك عن مصدر الراتب الذي قُرر لك من
"بيت مال المسلمين"؛وستتخيل ،من توالي حمامات الكذب، أن عمر بن الخطاب
هو الساهر ، شخصيا،على هذا البيت ،من قبره.
*ربما س"تُزوج" من المنتحبات الباكيات ؛وحينما
لا تنشط لهن ،غما وإنسانية، تُجلد في الصباح لأنك عصيت الخليفة في ما أباحه
لرعيته.
*ستُرغم على مرافقة الشباب إلى أسواق الجواري ؛وسيكون
عليك أن تُظهر ليس فحولتك فقط ،بل قسوتك وأنت تفري البضاعة الآدمية فريا مقززا ؛و
في القرن الواحد والعشرين.
*وحينما تعاف نفسك هذه "الزبالة" التي وضعت
نفسك فيها ،وتنوي التراجع عن فكرة الموت ،إلى دفق الحياة ،وحضن الأم ،ودفء
الإخوة ،يُصَبِّحونك بجلاديهم ،إن لم يكن
بذباحيهم.
* وحينما تتساءل بينك وبين نفسك عن مستقبل هذه الدولة
،ضمن أمم الأرض ؛وعن الأزمنة التي ستشرع فيها في بناء الحضارة والمعرفة ،بعد أن
بادرت بالدمار والدماء ،وتعطيل مناهج التعليم ،سيهدر دمك لأنك صليبي مخنث ؛مدسوس
على الخليفة.
* وحتى إن أ فلتك ذكاؤك وغادرت أسمال التاريخ والقرون
الغابرة ،وكيد القوى العظمى التي أنتجت المسخ ،و"النَّداهة" التي أغوتك
فلن يفتح لك الوطن الأبواب ،لأن الدماء غيبت لون براءتك ؛ولم تعد تطيقك غير
السجون.
ورغم هذا قل: اللهم سجون بلادي ولا دواهي الخليفة
الأحمق.
وثق أنه لا جنة للمنتحر ،ولو قاتل مع النبي؛لقوله عز
وجل:
" ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن
يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا"
النساء:30
ومما يُروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب جماعة
شهدت لمسلم بالشجاعة في القتال ،بين يديه ، ضد الكفار،بكونه في النار.
احتاروا حيرة
كبرى: كيف يكون في النار من أبلى البلاء الحسن؟ لكن لما وقفوا على حقيقة كون الرجل
قد جُرح ،ولما لم يتحمل الألم أجهز على نفسه بالاتكاء على سيفه حد بقر بطنه؛لم
يزيدوا،بعدها، على القول :صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(عن الشيخ
الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان)
ما أكثر الخدع ،وما أخطرها في عصرنا هذا ،فاحذر أن تُفرط
في سكينتك وسكينة الوطن؛وعُضَّ على الوسطية بالنواجذ؛ ولاتكن نِعالا لأحد،ينتعلها
صوب نزواته الخرقاء.قدس حياتك وحياة الآخرين لأنها هبة الله،من عدم ،ولو أراد
العدم ما خلقك.