قضاة “وزارة العدل” مجرد موظفين قبل أيام، والضبط
بتاريخ 06/05/2016 عزل أربعة قضاة من طرف المجلس الأعلى للقضاء “المستقل” والمطبق لأوامر
وزير العدل
ومن معه. تصوروا معي ماهي التهمة التي وجهت لهؤلاء القضاة.. ليست الرشوة
ولا علاقة لها بالمال.. بل هي خرق واجب التحفظ، لأنهم استعملوا الفايسبوك للتواصل بينهم
لإنشاء نقابة تدافع عن حقوقهم، بعدما بلغ عدد الموقعين على استمارة تأسيس النقابة الجديدة
200 قاض. نعم وزارة العدل “قمعت” القضاة “التابعين” لها من حقهم الدستوري وحقهم المنصوص
عليه في القانون للقضاء وهو التعدد النقابي.
إنها عقلية قمع الحريات.. حتى من تنتظرون أن ينصفوا
“الخبر” تم قمعهم.
أتعرفون لما أردنا إنشاء نقابة حرة؟ لأننا مجرد
موظفين نتقاضى 6 ملايين شهريا، يذهب نصفها في الكراء، ونفصل في قضايا بالملايير وقضايا
فساد.. نحاكم المسؤولين.. وليس لدينا حتى حق خبزة أولادنا.. لأنه لا يوجد قاض يعمل
في مكان ميلاده.. نتنقل مئات الكيلومترات عبر الحافلات ونكتري بيوتا بالملايين.. لنمارس
سلطة “وهمية”.
أتتوقعون من قضاة بهذه الوضعية أن يكونوا مستقلين...
نعم. نحن ننفذ التعليمات التي تردنا صباح مساء عبر
الهاتف وعبر الفاكس وعبر كل وسائل الاتصال، نحن مجرد عبيد لوزارة العدل.. من لا ينفذ
التعليمات يعزل.. ولكم في أحد القضاة الذي عزل قبل أيام بحجة “عدم الكفاءة”، لأنه قام
بإيداع ابن أخت جنرال الحبس.. فعزلوه لأنه “غير كفء” ولم يحسن التقدير.
يمكنني أن أزودكم بمئات التعليمات الرسمية التي
تردنا من وزارة العدل وننفذها دون نقاش، حتى أصبح أغلبنا مصابا بالأعصاب، ونحن لم نكمل
العشر سنوات من العمل.
ليعلم الجزائريون أن قصة استقلالية القضاء مجرد
وهم في البلاد.
هل تتوقعون من قاض يكتري بيتا بمليوني سنتيم.. وينتقل
إلى العمل مئات الكيلومترات أن يكون مستقلا.. من يعتقد ذلك فهو مجنون.
إذا كنتم تنتظرون من موظفي وزارة العدل، أو ما يسمى
مجازا “قضاة”، أن ينصفوكم فأنتم واهمون.
حين يعلم معالي وزير العدل أن ثلة من القضاة الشرفاء
راسلوا هيئات دولية حول “عزل قضاة جزائريين بسبب تواصلهم عبر الفايسبوك” وأن “وزارة
العدل تتهم الفايسبوك والتوتير” بالجوسسة على الجزائر. كل تلك الممارسات القمعية للقضاة
وللحريات النقابية هي خرق لالتزامات الجزائر الدولية، وستضطرون لتقديم المبررات.. يجب
أن تعلم أن من أردت إذلالهم يحضّرون لفعل “ما لم يفعله” أي قاض على مستوى العالم، لأنكم
لم تتركوا لنا بديلا إلا “ببهدلتكم” أمام العالم أجمع. وستدرك أن من القضاة “رجال”
صدقوا ولن يقبلوا بإذلالهم، وأن يوم فرحهم يوم يغادرون هذا القطاع.
هل تعلم الرئاسة أين وصل قطاع العدالة، ولتعلم أن
ما يرفع من تقارير إليها مجرد كذب. لعلهم يتداركون “تبهديلة” من صنف “عالمي” لتصرفات
رعناء.
لماذا لا تكتب ياسعد عن الوضع الذي أدى بنا للوصول
إلى عدالة قضاتها مجرد “قطعان” (حاشا البعض، على قلتهم) يقتادهم وزير العدل.. لم تكن
“الخبر” تحتاج لكتابة حرف واحد طيلة الشهر الماضي عن قضيتها لو كان منتسبوها “متيقنين”
من “عدالة” عدالة بلدهم.
للأسف الحقيقة أن القاضي الذي نطق بالحكم مجرد موظف
مغلوب على أمره، وليس بوسعنا لومه ولا حتى احتقاره.
يكفيه خزيا المرتب “المحترم” الذي يناله كل شهر
ويجعل منه “مستقبلا” عن وزارة العدل.
هل تعلم يا سعد أن مرتب القاضي المستقل الذي حكم
في قضية “الخبر” يساوي ثمن (8/1) مرتب الوزير الذي صدر الحكم لصالحه؟ تلك هي العدالة
التي نطقت بالحكم.
هل تعلم يا سعد أنني لم أسمع منذ عشرين سنة وزيرا
فرنسيا للعدل يتحدث عن “استقلالية القضاء” في بلده... وسمعت وزيرنا للعدل يتحدث في
كل مناسبة، بسبب وبدون سبب، عن السلطة القضائية المستقلة في الجزائر... كم نحن بائسون.
لدي عشرات الفاكسات في مكتبي كلها (مذكرات، مناشير،
تعليمات، لا أدري ماذا..) تصلنا كل يوم من وزارة العدل... ثم في آخر النهار نستمتع
بخطاب أننا “مستقلون” على لسان وزير للعدل وعضو في حكومة أحد منتسبيها طرف في نزاع
قضائي مع “الخبر”؟
صدق نزار قباني حين قال في قصيدة الطبلة والدولة:
لا يوجد كذب أقذر من كذب الدولة.