تشكي رئيس الحكومة من الترامي على صلاحياته، والكيد
لحزبه ليس جوابا دستوريا ولايخدم تطور التجربة الديمقراطية ..
مما لاشك فيه أن استمرار السيد رئيس الحكومة ،الأستاذ
عبد الإله بنكيران ،في التشكي والتذمر، واتهام بعض وزرائه ،وجهات نافذة ، ومسؤولين
بالإدارة الترابية ، والمؤسسات العمومية بالترامي على صلاحياته ، ومعاكسة توجهاته،
ومعاداة حزبه ،والتخطيط للإطاحة به في الإنتخابات القادمة ،سلوك غير طبيعي من رئيس
حكومة خرج من رحم صناديق الاقتراع ومسنود بدستور يحفظ لرئيس الحكومة مركزه كرئيس للحكومة
، يمارس السلطة التنفيذية، جميع الوزراء في الحكومة يعتبرون مرؤوسين لديهم ، ولا يسوغ
لهم بأي حال من الأحوال الخروج عن توجيهاته وتعليماته ،وأظن أن هذا هو الوضع الطبيعي
للحكومة في ظل الدستور الجديد ،أو على الأقل هذا مايفترض أن يكون، ومن يقول بغير هذا،
عليه ان يعلن ذلك أمام الملأ ،ويناضل من أجل تصحيح الوضع،أما أن يواصل رئيس الحكومة
-الذي يفترض أن بيده صلاحيات ،دستورية ،قانونية وتنظيمية إزاء جميع الوزراء -الكلام
عن وجود معاكسات من طرف بعض الجهات والوزراء
ضد سياسته ،واستهداف حزبه من طرف "الإدارة"، التي هي واقعة دستوريا تحت إمرته،
فهذا السلوك لايخدم في شيء التطور الديمقراطي
بالبلد ،ولا يساهم في إنجاز وتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود،بل بالعكس يضعف التجربة
السياسية المغربية ،ويؤجل الانتقال الديمقراطي،ويشوش على كل هذه "الجعجعة
" التي ترددت أصداءها في جميع مناطق المغرب ، ووصلت إلى العالم ،وذلك منذ دستور
فاتح يوليوز على الأقل ،والآمال التي بعثها في النفوس بإمكانية تحقيق تطلعات وانتظارات المغاربة في اجتراح تجربة ديمقراطية حقيقية
،تحتل فيها الإنتخابات الحرة والنزيهة والشفافة حجرا لزاوية ،و المصدر الوحيد لانبثاق
الحكومات المسؤولة أمام الناخبين وممثليهم في الهيئات التمثيلية ،بالإضافة إلى كل متعلقات
الديمقراطية الأخرى من حرية، وعدالة ،ومساواة ،وأمن، واستقرار ،ورفاه...أي نعم استمرار
رئيس الحكومة في التشكي والتذمر يضرب كل هذه الآمال في الصفر،ويعود بالمغرب القهقرى
إلى ماقبل دستور الفاتح يوليوز ،بل الأخطر من ذلك أنه يزرع اليأس في القلوب التي انتعشت
بالأمل غداة دستورفاتح يوليوز 2011 ..
لكن رب قائل يقول ماذا بوسع رئيس الحكومة أن يصنع
غير التشكي والتذمر للتعبير عن عدم رضاه من تدخل وزراء وجهات فيما يعتبره من صميم عمله
كرئيس للحكومة ؟الأكيد أن في الدستور الذي يفترض أنه الوثيقة ،أو العقد الذي ينظم السلطات
والعلاقات في الدولة أجوبة لهذه الحالة، التي يتشكى منها رئيس الحكومة ،إنما
فقط تتطلب منه جرأة سياسية لتفعيلها ،وأقلها
أن يتخذ اللازم إداريا وقضائيا ضد وزرائه ،
ومدراء المؤسسات العمومية ، ومسؤولي الإدارة الترابية الذين يزعم أنهم يعاكسون توجهاته
،ولا ينفذون أوامره ،وليست هذه هي الإمكانية الدستورية والقانونية الوحيدة المتاحة
أمامه إزاء هذا الوضع ،بل إن الدستور يمده
أيضا بصلاحيات أخرى ،منها طلب إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، وليس هذا فحسب ،وإنما
يملك رئيس الحكومة أن يحل البرلمان برمته،بل يمكن أن يعلن استقالته، والعودة إلى صناديق الاقتراع التي تبقى الفيصل بين
الفرقاء السياسيين في هذه الحالة، وأعتقد ان
المشرع الدستوري لم يضع كل هذه الصلاحيات في الوثيقة الدستورية من اجل الزينة ، بل
وضعها لتجيب عن إشكالات سياسية وعملية لعل ما يشتكي منه رئيس الحكومة هي واحدة من هذه
الإشكالات ، وبذا يساهم هذا السلوك الدستوري والسياسي في تجويد العملية الديمقراطية
وإعطاءها المضمون الحقيقي، ولايصح التذرع بتداعيات
هذه الخطوة على الأمن والاستقرار في البلد ، من أجل تفادي اللجوء إليها ، فللبلد دستور وملك ومؤسسات تحميه.ولا خوف عليه من تفعيل هكذا تمريني دستوري وديمقراطي،بل بالعكس من
شأن هذا التمرين أن يقوي التجربة الديمقراطية ،ويمدها بالمناعة اللازمة ضد محاولات
المساس به.. أما إذا ظل رؤساء الحكومات يكتفون بالتشكي والتذمر من المساس باختصاصاتهم الدستورية
والتنظيمية ، كما يفعل ،ارئيس الحكومة الحالي،،فلا مجال أبدا لتطوير ديمقراطيتنا، والانتقال
بها إلى مصاف التجارب العالمية الناجحة ،بل سنظل نراوح في مكاننا ،وبالطبع فإن هذا الكلام ليس مقصودا به رئيس الحكومة الحالي فقط
،وإنما كل الرؤساء الذين سيتعاقبون على رئاسة الحكومة .