منذ خمس سنوات، والشعب المغربي يتجرع بمرارة قرارات الحكومة وإجراءاتها التي تمسه في معيشه اليومي ومستقبل أبنائه وحقوقه السياسية والاجتماعية وعموم الحريات
الفردية والجماعية. فالحكومة الحالية، ليس فقط أنها عجزت عن حل مشاكل التطبيب والتعليم والبطالة والهشاشة، بل عمقتها ووسعت دوائرها لتشمل حتى الفئات الاجتماعية التي كانت تشكل الطبقة الوسطى.
الفردية والجماعية. فالحكومة الحالية، ليس فقط أنها عجزت عن حل مشاكل التطبيب والتعليم والبطالة والهشاشة، بل عمقتها ووسعت دوائرها لتشمل حتى الفئات الاجتماعية التي كانت تشكل الطبقة الوسطى.
والوضع الحالي للشعب المغربي يثبت أنه في تاريخ المغرب القديم والمعاصر، لم يفلح أي حزب، حتى ما كان يعرف بالأحزاب الإدارية، في تحويل الشعب إلى خادم للدولة مثلما جدّ واجتهد ونجح “حزب العدالة والتنمية”، ليس فقط في إخضاع الشعب للدولة بل في تجريد الشعب من ميوله التحررية ومقاومته للاستبداد.
فالدولة وُجدت لخدمة الشعب والاستجابة لانتظاراته وتأمين حاجياته، لكن حكومة بن كيران قلبت المفاهيم والعلاقات بأن جعلت الدولة هي المركز الذي يتحلق حوله الشعب ويخدمه. لأجل هذا يسارع رئيس الحكومة الزمن لإخراج سلسلة من القوانين واتخاذ جملة من القرارات تكرس العنف والتمييز ضد النساء والفتيات، من جهة، ومن جهة أخرى الإجهاز على كل الحقوق والمكتسبات التي راكمتها الطبقة العاملة وعموم الموظفين (قوانين: عاملات المنازل، هيئة المناصفة، مناهضة العنف ضد النساء، الاتجار بالبشر، ومشروع القانون الجنائي، قانون التقاعد). فالمغاربة باتوا أمام قوانين تمس كرامتهم الآدمية وحقوقهم الاجتماعية.
وكان، إلى وقت قريب، المس بواحد من هذه المكاسب كفيلا بإطلاق موجة من الاحتجاجات والإضرابات تعبيرا عن غضب الشعب وإصراره على مواجهة وإفشال السياسات اللاشعبية للحكومات المتعاقبة. لهذا كانت الحكومات السابقة تضرب ألف حساب لردود فعل الشعب قبل أي قرار تقدم عليه، حتى إن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وفي عز قبضته الحديدية، أو ما بات يصطلح عليه بسنوات الجمر والرصاص، تراجع عن قرار الزيادة في الأسعار سنة 84 وأعلنها في خطابه الشهير.
الآن، لم يعد الأمر يتعلق فقط بالزيادات في الأسعار التي تم تحريرها بل تجاوزها بكثير وبشكل خطير إلى الإجهاز على كل المكتسبات والحقوق التي ضحى من أجلها الشعب وقواه الحية. فمنذ تعيين حكومة بن كيران، وهي تفاجئ المغاربة بسلسلة من القرارات ما كانت تجرؤ على اتخاذها أي حكومة سابقة رغم الأزمات الاقتصادية والسكتة القلبية التي كانت تتهدد المغرب دون أن تلقى معارضة شعبية قوية تقودها القوى الوطنية والديمقراطية الحية. بل إن حكومة التناوب التوافقي برئاسة عبد الرحمن اليوسفي، ثم التي تلتها، ورغم حدة الأزمة الاقتصادية التي عرفها المغرب وارتفاع سعر البترول إلى 150 دولار للبرميل، خفضت ديون المغرب إلى الثلث ورفعت من الأجور دون أن تسمح لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بالارتفاع، بحيث حافظت على الدعم المخصص لها بزيادة الميزانية المخصصة لصندوق المقاصة. وأكيد يحن كل الموظفين إلى الترقيتين الاستثنائيتين اللتين استفادوا منهما جميعا، الأمر الذي شجع على نمو الاقتصاد بتوسيع شريحة الطبقة الوسطى التي هي طبقة استهلاكية بامتياز.
أما حكومة بن كيران فكل الظروف الدولية مناسبة لها خاصة فيما يتعلق بانهيار سعر البترول وانخفاض أسعار القمح في السوق الدولية، دون أن ينعكس هذا إيجابيا على جيوب المواطنين ويخفض تكلفة المعيشة، بل الذي حدث هو العكس؛ أي بقدر انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية بقدر ارتفاعها في السوق الداخلية. الأمر الذي يطرح السؤال التالي: ما الذي أفقد المغاربة زخمهم النضالي وجعلهم مستكينين خنوعين؟
هناك شيء ما غير طبيعي أصاب المغاربة وشل قدرات المقاومة لديهم رغم قدرة المواقع الاجتماعية على تعبئة أوسع الفئات. الإجابات الأولية التي يمكن تقديمها في محاولة لملامسة هذا الإشكال، تستحضر عاملين رئيسيين: أولهما يتعلق بالصورة التي صارت عليها الأحزاب والنقابات التي كانت تحمل هموم الشعب وتضحي من أجل مصلحته. لقد اهتزت صورتها لأسباب ذاتية تعود إلى الصراعات الداخلية التي عرفتها وتعرفها هذه الهيئات بحثا عن المكاسب والمناصب، الأمر الذي شغلها عن هموم المواطنين. والتصويت على قانون التقاعد دليل الاتجار بهموم ومصالح المواطنين.
أما العامل الثاني فيتعلق بخوف المغاربة من أي مصير مجهول ينتهي بالشعب إلى الأوضاع التي تعانيها دول ما بات يعرف “بالربيع العربي”. وبات مطلب الأمن والاستقرار يحتل أولوية الشعب بدل مطلب الديمقراطية والكرامة والمساواة.
لقد أفلحت الحكومة في استغلال حالة التوجس لدى غالبية الشعب من الآتي، لتتخذ سلسلة من القرارات والإجراءات تمس مباشرة القدرة الشرائية للمواطنين. لهذا لم يعد من سبيل لمواجهة حالة التردي هذه سوى بانخراط المواطنين الجدي والواعي في العملية الانتخابية والقطع مع العزوف السياسي الذي يستغله حزب العدالة والتنمية في تصدر نتائج الانتخابات. وليعلم المواطنون أن أي عزوف سياسي سيكون كارثة على المغاربة باعتبار ما يدخره بن كيران من الإجراءات والقوانين التي تجهز على ما تبقى من الحقوق.