-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

إدريس علوش طفل بحري لا يتهيب إيقاع الرقصة القادمة ! قراءة ناهد الزيدي

حين تعرفت إلى البهي،المقيم في زغب الفلامنكو،الشاعر إدريس علوش،لم أكن أعلم أن آصرة عالية الرفعة ستجمعني به لاحقا في لقاءات أدبية وعلمية هنا وهناك ،على مدار
"شمالنا العامر"المتدثر بهالة "قداسة أوروك"العظيمة.هذا اللقاء الحافل بالإشارات المرموزة أتاح لي أن أتلمس لغة شاعرة،وعمقا في التقصي،ورحابة في المنظور المحلق باتجاه شعرية التأمل.مزج مقتدر في سفر بديع لتعقب الإشكاليات الكبرى.
ولم يكن إدريس هيابا لجلال الإخلاص،ولا أنا .وما هذه ّالومضات"ـ فيما أتصور ـ إلا نزرا قليلا في كيمياء وهجه الشعري.

إدريس علوش
طفل بحري لا يتهيب إيقاع الرقصة القادمة !
(1)
" الشاعر الذي يشبهني
ما يزال يبحث عن بلاغة القول
ورشح الأشياء.."
ما من شبيه لك إدريس علوش. نسيج وحدك انت. تأخذ الكلمة من سياقها العادي وتنقلها إلى مداد استثنائي.ثم لا تكتفي بذلك، بل تمسك زئبقية المعنى وتنسج دلالاته في رداء رؤيتك، فتاتي القصيدة موارة بك وحدك. وناطقة – فقط – باسم تجليك الشعري.
وبلاغة القول إليك تنقاد، ليس لأنك راسخ في العبارة، بل لان العبارة فيك راسخة. لذا فبلاغة الروح، لا بلاغة القول، عنوان قصيدتك المجنحة، الزاخرة بما لا تتوقعه العبارة.
(2)
الشاعر الغاوي السالك نهج الطائر الموّار
ثمة في التجربة الشعرية لإدريس علوش. ابن أصيلة البحرية الغاوية، مدركات خاصة به، تبدأ بالتأمل في الأشياء العابرة،دون أن تنتهي إلى تشخيص المجرد واللعب بالمحسوس.
إدريس علوش، الذي راكم عنفوانه الشعري منذ " الطفل البحري " حتى " سر الكتاب "، يصنع قصيدته بالدهشة لا بالألفة، يشعرنا ونحن نقاربه شعرا. أنه لا يكتب بل يستكشف.وكأنه يشير بسبابته إلى "نفي النفي إثباث" وكما يقول ابن عربي "اللاوراء هو الوراء".

هنا تكمن فتنة الأغوار النائية في عناوين شعر هذا الزيلاشي الوارف .إذ ما من مرة اقترف قصيدة السطح. بل دوما رافق القصيدة المتعبة في العثور على خيطها الأول. وبنائها الكلي.
وإذا قمنا بقراءة تأملية لأعماله الشعرية، وبخاصة ثلاثيته الرائعة :
1- " فارس الشهداء "
2- مرنية حذاء "
3- دفتر الموتى ".
نجد أن إدريس علوش يسير فوق حبال القصيدة العسيرة، دون أن يسقط فوق المعاني السهلة المعممة.
تلك جدارته في الكتابة الشعرية الماتحة من عيون الاختلاف، لغة وإيقاعا وصورا ورؤى.
(3)
قليل من وحي سدوله حيث السراح المطلق وبياض اللون.!!.
ولج أمداء القصيدة عبر طفولة بحرية متسمة بشغب احتضان القضية، والانخراط في الموقف.
وتوالت دواوينه حاملة نفس السمات حيث القدرة على الاستحضار، والإسقاط والرمزية العالية.
بيد أن إدريس علوش انساق، مرات وراء القصيدة المثقلة بالحس السياسي، مما أفقد بعض أشعاره تلك الروح المتأملة، المستنبطة، الولوعة بما وراء الأشياء.
وسريعا ما عاد هذا المبدع إلى ذاته/ ذواتنا، ليعيد من جديد رسم قصيدته التي تحفر فنيا آبارا من الدهشة.
(4)
إدريس :كاشف السر وخائط العوالم
" الشعراء في نهاية القرن
مجبرون على نقر قصائدهم
في أجهزة لا تعرف ما الخيال ! ".
التوجه اليساري لشاعرنا سيج العديد من رؤاه الإبداعية، ومنحه زخما شعريا منظورا.
ذلك أن إدريس علوش، الذي تمرس على النضال سنوات دراسته الجامعية، عرف كيف يجعل من القصيدة مؤسسة إبداعية في منأى عن مكونات الذات الغارقة في نحيبها. استلهم البعد الثوري في القصيدة دون أن يخسر شاعرية القصيدة.
وهنا يؤكد هذا المبدع أن القصيدة وحدها سيدة اليراع والرؤية والإلهام.
كل المكونات التي أسهمت في ولادة القصيدة، تتسرب زمنيا، وحدها الشاعرية تقاوم إلى آخر عبارة وآخر معنى.
(5) شغب الإضافات الشاخصة
على عكس شعراء آخرين من جيله، أخلص " الطفل البحري " الذي يلهو بالمعاني، إدريس علوش، للقصيدة وحدها. لم يشرك بها شيئا، ولا جاء يوما بما لا ترضاه...عدا الأزقة والحانات والأحذية واللغة "القذيفة" !!
هذا المبدع يدرك وحدانية القصيدة، ووحدانية اليراع. من هنا حافظ على قربه منها، اتقادا وولعا، وحافظت هي على قربه منه، إغداقا ورضى.
ولعل ديوانه الفاتن " قفازات بدائية" (2008)، يعكس أكثر من غيره حسب رؤيتي، حجم العلاقة بين إدريس والقصيدة. حيث قوة الارتباط المتأتية من قوة التعاطي.
هكذا قال، يوما، بول إيلوار. وهكذا يمكن وصف تعاطي إدريس مع قصيدته.
(6)
القصيد/ الترياق
ثمة شعراء يصعب تجنيسهم، أو إدراجهم ضمن خانات معينة، هم أكبر من ظلالهم ومن ضيقها بشسوعهم.
أعتقد أن إدريس علوش من ضمنهم تأكيدا
فعند ولوج عوالمه الشعرية، المتداخلة المتشعبة، نكتشف باندهاش تنوع مصادره الإبداعية ومشاربه الإنسانية، حد عدم اقتراف وصف يسيجه.
وهنا يبدو كما لو أن إدريس علوش وصف نفسه، لا سواه، حين قال ذات قصيدة ورافة :
" الشاعر الذي يشبهني
ما يزال يبحث عن بلاغة القول
ورشح الأشياء ".

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا