رغم أهوال الحرب والسلم تظل «بيروت» واقفة متحدية
كالإلهة إنانا أو عشتار وجبلها الشامخ وبحرها العميق يبتلع فى جوفه السموم،
صديقتى الطبيبة اللبنانية عرفت معها الحرب والعنف
، فى نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات ، طعنها جندى إسرائيلى بالسلاح الأبيض فى مذبحة
صبرا وشاتيلا ماتت واقفة كالشجرة وهى تعالج المصابين ، كنت أعمل بالأمم المتحدة «الإكوا»
أصبح اسمها «الإسكوا» لا يتغير فى الأمم المتحدة إلا الأسماء ، من بين أكوام التقارير
المتشابهة أفتح نافذتى لأشم الهواء يدوى الرصاص من ناحيتى البحر والجبل. مين بيحارب
مين؟ لا أحد يعرف؟ إسرائيليون أمريكيون فلسطينيون لبنانيون مسلمون شيعيون سنيون مسيحيون
من خمسة عشر طائفا يتمشى فى الأروقة الأنيقة خبراء الأمم المتحدة السود والبيض يفوح
العطر الذكورى أو سوفاج يعنى الماء المتوحش، منفوشون كالديوك الرومي، والبايب يتدلى
مشتعلا بين الشفاه يتبادلون الأخبار والفكاهات كأنما لا حرب ولا دماء فى الشوارع والمخيمات
يغمزون للسكرتيرات المنتوفات الحواجب المدهونات بالألوان ينظمون مؤتمر الجنوب فى الشتاء
ومؤتمر الشمال فى الصيف يعودون الى بيروت لالتهام الفروج المشوى والكفتة مع التبولة
والعرقي.
مدينة المؤامرات والمؤتمرات ودور النشر تبيع الثمين
والرخيص تنهب حقوق المؤلفين مدينة الحوارات والتناقضات فى النهار يدوى القصف وفى الليل
يدوى الرقص تعيش الفضيلة مع الفجور، والعرى مع الحجاب والحرب مع الحب.
أول هذا الشهر إبريل القيت كلمتى فى بيروت بمؤتمر
جامعى لا أفصل العنف ضد النساء عن أنواع العنف الأخرى يرتبط العنف المحلى بالعنف الدولى
، والعنف الجنسى بالعنف الاقتصادى السياسى الديني.
لا نفهم أسباب العنف ضد المرأة دون قراءة التاريخ
قبل انهزام الأمهات فى مصر القديمة كيف هبطت الإلهة الأم لتكون الشيطان، وصعد الأب
لمنصب الألوهية. العنف ضد المرأة تاريخى عالمى «لا يخص الشرق أو الغرب»، هذه العبارة
كررتها لأكثر من نصف قرن ، لكن يظل العنف ضد المرأة منفصلا فى مناهج التعليم ، خوفا
من كشف الترابط التاريخى الوثيق بين العبودية الجنسية والطبقية، وما أنتجته من نظم
عسكرية استعمارية.
ما علاقة المظاهرات النسائية العالمية بالرئيس الأمريكى
ترامب ؟ سؤال بالمؤتمر تحمست للرد أستاذة أمريكية بجامعة نيويورك قالت: لا يمكن للمرأة
أن تتحرر تحت حكم رأسمالى عادي فمابال رأسمالى شرس مثل ترامب؟
لم تمض أيام قليلة حتى كشف «ترامب» ذكورته العسكرية،
وقذف الشعب السورى بتسعة وخمسين صاروخ توماهوك من مدمرتين للبحرية الأمريكية دكت مطار
الشعيرات السورى قرب حمص عدوان أمريكى صارخ ضد ميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية
وجميع القوانين والأخلاق بالضبط كما فعل جورج بوش حين دك بغداد بالصواريخ تحت اسم حماية
الشعب العراقى من الديكتاتور صدام حسين ، المالك لأسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا
لم تتغير إلا الأسماء يقذف «دونالد ترامب» سوريا بالصواريخ تحت اسم حماية الشعب السورى
من الديكتاتور بشار الأسد المالك للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا.
وتكرر الأمم المتحدة عبارتها المعهودة نرجو من جميع
الأطراف ضبط النفس وسرعة العودة لمائدة المفاوضات لا تمل من ترديد هذه العبارة العقيمة
منذ الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين مائدة المفاوضات وليمة جديدة للخبراء والمستشارين
لالتهام المشويات مع النبيذ المعتق على مرتفعات سويسرا صيفا، وتحت شمس الهند شتاء.
غابة الحيوانات البشرية ضبوع ونمور ومن يدور فى
فلكهم يطالبون بضبط الأنفاس مع نفث الدخان من البايب.
عند عودتى من بيروت كان الشعب المصرى يترقب قلقا:
ماذا تفعل الحكومة لضبط الأسواق ومواجهة ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان القادم؟ شهر
الصيام والزهد كيف يصبح شهر الأكل والشهوات؟ كيف تنتعش التجارة بالفتاوى والمسلسلات
الدينية ورقصات البطن؟ وتعلن المنظمات النسائية عن تنظيم ندوات لمواجهة التحرش الذكورى
أيام الصيام؟ أما هيلارى كلينتون فتعلن أن هزيمتها أمام «ترامب» كانت بسبب كراهية النساء
لها. لا تنسى هيلارى مونيكا لوينسكي، ومثيلاتها الكادحات المتربصات لاصطياد الأغبياء
من عجائز الأغنياء كانت هيلارى قد ابتلعت خيانة زوجها بأمل الصعود السياسى لكنها سقطت
سقطة مدوية، فالسقوط يبدأ بالتخلى عن الكرامة والصدق فى الحياة الخاصة قبل العامة.