لم يثبت أن ثمة إجماعًا ناجزًا على توصيف مسبق أو
تنميطات معينة للثورات، مع التقدير للمنظّرين، على اختلاف اجتهاداتهم وخلفياتهم، إذا
تجاوزنا الوصفات العامة
والشائعة، والتي تصلح لأي حالة في أي زمان ومكان.
ولعل أنسب دليل على ذلك حقيقة أن التراث النظري،
المتعلق بالثورات، والذي راكمته التجربة البشرية، كان يأتي تاليًا وليس سابقًا لها،
مثلما حصل في التنظير للثورتين الأميركية والفرنسية (القرن الثامن عشر)، ثم للثورات
الأوروبية (القرن التاسع عشر)، كما للثورة الروسية (في القرن العشرين) وما بعدها.
هذا ما حاوله، مثلًا، كل من لينين في مجمل كتبه
التي خطّها بعد ثورة 1905، مثل "ما العمل"، و"خطتا الاشتراكية الديمقراطية"،
و"خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء"، و"الدولة والثورة"، وحنه
أرندت في كتابها "في الثورة" الذي تحدثت فيه عن معنى الثورة والتي لخصتها
بالحرية، ثم غوستاف لوبون في كتابه "روح الثورة الفرنسية"، الذي تحدث عن
انعكاسات الروح الثورية على نفسية طبقات المجتمع وعلى المنخرطين في الثورة، وبعده كريس
برنتين في كتابه "تشريح الثورة"، الذي حاول فيه تحليل ونقد الثورات الأربع
الإنكليزية والأميركية والفرنسية والروسية واستخلاص مقاربات في ما بينها، مؤكدا عدم
وجود ثورات نمطية، وأخيرًا أريك هوبزباوم في كتابه "عصر الثورة"، وهو جزء
من رباعية أرّخ فيه للتحولات الثورية، بكل أبعادها، في أوروبا في الفترة بين 1789
- 1848
.