صرح أحد مشعوذي الإسلام السياسي بأنّ واجب المرضى والحوامل والعجزة أن يصوموا كغيرهم وأن لا ينتبهوا إلى أقوال الأطباء الذين لا يفقهون شيئا في حقيقة رمضان، وقال هذا الدعيّ إن هؤلاء الصائمين لن يحدث لهم أي مكروه لأن رمضان "معجزة"، بل إنه أعلن بأنه يتحمل تبعات صوم هؤلاء وأنه يضمن لهم ألا يحدث شيء مما يقع تخويفهم منه، ويبدو من ثقة الرجل بنفسه أنه يمتلك قدرة خارقة على إعادتهم إلى الحياة في حالة وفاتهم، أو علاجهم فورا في حالة تفاقم مرضهم.
معتوه آخر من نفس الطينة صرّح على هامش حادث اعتداء جماعة من الغوغاء على طالبة بأسفي بأن الواجب رجمها بالحجارة حتى الموت، ما يجعلنا نتساءل عن دور السلطة وموقعها مما يجري.
فالشخص الأول يعاكس كليا إعلام الدولة وأطباءها الذين ما فتئوا يذكرون الناس بأن الدين يُسر وليس عُسرا وتعذيبا، وأن حالتهم الصحية إن كانت لا تسمح بالصيام فعليهم تجنبه حفاظا على سلامتهم، وهو يبدو أنه يعاكس رأي الأطباء قصدا وعن إصرار وترصّد، كما لو أنه يصفي حسابه مع العلم والعقل، والثاني يدعو جهارا إلى العنف الوحشي الذي لم توجد الدولة أصلا إلا لردعه والحيلولة دون وقوعه.
إن المطلوب أولا هو إحالة الشخصين على الطبيب النفسي للتعرف على حالتهما، وتحديد نوع المرض النفسي الذي يعانيان منه، حيث لا يبدو عليهما من خلال موقفيهما أنهما في وضعية الشخصية السوية.
ثم علينا بعد ذلك أن نتباحث في أسباب وجود هذه العقلية الغريبة والمرضية وبروزها في رمضان، هذه العقلية التي تعتبر الدين تعذيبا وقسوة وتسلطا، وإما أن يكون على هذا الشكل أو لا يكون، وهو ما كان عليه الأمر في سابق العصور والأزمنة في أوروبا، عندما كان رجال الدين يعبسون في وجوه الناس ويتوعدونهم بكل مصير مرعب، وعندما كانوا يشدّدون الخناق على مجتمعاتهم معتبرين أن ذلك ما يريده الله بالبشر، والحقيقة أنهم كانوا يرعبون الناس لضمان ولائهم وخضوعهم، فتحرر الناس من وصاية رجال الدين واعتمادهم على العلم وعلى عقولهم سيجعل هؤلاء يفقدون سلطتهم وامتيازاتهم الاجتماعية، ولهذا يمسكون بالإنسان من أضعف نقطة فيه، خوفه من المجهول، حتى يظل جبينه ملتصقا بالأرض تحت أقدامهم.
ولقد شهد العالم كله كيف انطلقت أوروبا في القرنين الأخيرين انطلاقة غير مسبوقة في التاريخ كله، بمجرد تخلصها من وصاية المشعوذين من باعة صكوك الغفران، وكيف أحدث العلم ثورات مجيدة بعد أن تخلص العلماء من سلطة الكهنوت، وكيف انتشرت أخلاق الواجب والإرادة والعمل والفضيلة الحق، عوض أخلاق العبيد والرعايا التي كان يشيعها رجال الدين.
إن تقديم الدين على أنه عقاب للبشر وتطهير لهم من ذنوبهم بتحمل أنواع العذاب والعقاب الجسدي الوحشي هو من بقايا الماضي البعيد الذي علينا التخلص منه، فالدين ممارسة تعبدية فردية يمكن أداؤها بمعزل تام عن اختيارات الآخرين الذين ليسوا بالضرورة مشاركين لنا في الملة، كما أن أداء الشعائر الدينية لا تقتضي فرض نظام عام برقابة بوليسية وفي ظل أجواء ترهيبية، لأن ذلك يُحول الدين إلى نظام تسلطي تتم مقاومته بشكل حتمي طال الزمان أو قصُر.
إن من يفهم الدين على أنه قسوة وغلظة ورقابة وزجر وكراهية وتسلط إنما يخلط بين الدين والسلطة القهرية، وعليه أن يدرك بأنه يعتدي على غيره في الوقت الذي يمكنه فيه أن يمارس عقيدته بكل طمأنينة، دون أن يسيء إلى أحد. وهذا ما ينبغي تربية الناس عليه.