أنتم الطلقاء في السيرة النبوية العطرة، يشكل صلح الحديبية، بكل إرهاصاته وتفاصيله وعثراته، مدخلا للفتح المبين؛ فتح مكة في 20 رمضان من السنة الثامنة للهجرة النبوية.
في يوم الفتح المبين عَظُم أمران، لن ينساهما المسلمون أبدا:
الأمر الأول: تحطيم أصنام الكعبة بيدي الرسول صلى الله عليه وسلم، حاملا رمحا يلكز به الحجر الذي حمَّلته قريش أكثر مما تحتمل حجريته، فيخر على وجهه، لا حول له ولا قوة؛ أو كما قال الشاعر العربي، إذ رأى ما رأى ذات يوم:
أربٌّ يبول الثعلبان برأسه ** لقد ذُل من بالت عليه الثعالبُ
لكن بالرغم من هذا نالت الأصنام مكرمة تحطيم النبي لها بيديه؛ وحق لها أن تفخر بهذا، حتى في آخر رمق لها.
الأمر الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم لكفار قريش، وقد تمسك كبراؤهم بأستار الكعبة، ينتظرون حكم الرسول، وهم موقنون بغدرهم ونكثهم السابق لبنود الصلح: سيروا فأنتم الطلقاء.
وفي هذا قلت شعرا، في بردتي:
ويا قُرَيشٌ وانْ آذيتِه عَسَفًا ** أسْلمْتِه للِنَّوى قَطْعًا لِذي رَحِمِ
فيومَ فتحٍ عفا حَقْنًا لكلِّ دَمٍ ** لَوْ كانَ يومًا لكمْ فَلَيَجْرِ كلُّ دَمٍ
كيف يتحقق اليوم صلح الحَلِيبية
بالرغم من الهفوات الصارخة لوزراء "متدربين"، وهم يتعاملون مع نضال المقاطعة، المشروع والمبرر، فإن الأخطاء الحكومية لا تزال متواصلة، بل تزداد استفحالا؛ إلى درجة "الكنغرينا" السياسية التي قد تعصف بحكومة السيد العثماني كلية؛ لتتهاوى تماما كما تهاوت أصنام مكة.
ففي الوقت الذي كان المفروض فيه التعامل مع المقاطعة – ولها مستوى عميق سبق أن بسطت فيه الكلام – كنتيجة لممارسات اقتصادية ريعية، انكشفت أخيرا؛ فضّلت الحكومة أن تتحدث عنها –بعد تجاهل طبعا – كسبب لوضعية مزرية يعيشها، اليوم، الرأسمال الحليبي؛ الذي يستفيد منه ليس السيد أخنوش، فقط، بل كل مالكي الأبقار، حتى العِجاف منها.
هكذا، إذن تقطع يدنا اليمنى يدنا اليسرى.
وأكاد أقسم أنه لولا تنطع بعض الوزراء، وغرورهم، وأحيانا بلاهتهم لما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة؛ لأن الشعب المغربي شعب كريم وعَفُو وصبور.
ولكن حينما يستمع إلى وزير يُعيِّره، وآخر يتملص من مواطنته وكأنها جُذام، وليست إكليلا؛ وهو الذي سبق أن عرفته رجل تعليم بسيطا.
وفي الوقت الذي يصر فيه نفس الوزير ألا شيء يقع تحت شمس الفراولة لتَبَّاناتِ عاملاتنا المقهورات؛ في تكذيب سافر حتى للحرس الإسباني.
وزد وزد من سفاهات هذا الزمن الحكومي الرديء، الذي لم ينل من مؤسسات الدولة فقط، بل حتى من قيم دينية راهن عليها المواطنون حمالة مكارم لهم، وأبواب فرج؛ وهم ينحاشون، عن حسن نية، صوب حزب العدالة والتنمية في الانتخابات.
والله إني لأتقطع أحيانا كمدا وأنا أستمع الى "وِزاريات" من قبيل الشعر الرديء، يدعي فيها أصحابها أنهم رجال دولة. تنقطع صلتهم بكلامهم بمجرد التلفظ به؛ دون تتبع مواقعه، حيث ينفذ إلى أعماق الناس، ويجرح وما هو مجروح أصلا.
أخْجِل به من وزير يرى نفسه فوق المواطنة والمواطن؛ ومثل هؤلاء كان المخزن القديم يدخلهم الإصطبلات ويربطهم بأذناب الخيل وسط الروث؛ إلى أن يعفو عنهم السلطان.
لا أعتقد أن مثل هؤلاء يمكن أن يعالجوا "الغنغرينا" الحالية؛ لأنهم جزء منها، بل حمارتها المؤلمة.
ورقتي الصلحية
لم أستشر فيها غير ضميري، ولا أخدم بها أجندة أحد، غير هذا الوطن الذي كدت أقول أننا لا نستحقة؛ تاريخا وجغرافية.
إعفاء الوزراء الذين أصبحوا في حالة تناف كبير، بين سمو مهامهم الرسمية وتدني أدائهم وألسنتهم. هذا مع تمسكي دائما بمقترح حكومة تيكنوقراطية لمرحلة انتقالية؛
جبر خواطر كل المواطنين – والمناسبة شرط- في ما يخص معتقلي المطالب الاجتماعية والاقتصادية؛ في الريف، زاكورة، وجرادة. ما أعظمها من عبارة من منتصر فاتح: سيروا فأنتم الطلقاء.. أقول هذا وأنا أدري أن القضاء قائم، وما بين يديه من أدلة لا أعرفه. لست سياسيا ولا رجل قانون وإنما أنا رجل جاء من أقصى القرية يسعى إلى صلح. وما يشجعني هو وثوقي من كون مقدمة إعفاء وزراء "منارة" المتوسط، والعديد من الخطب الملكية الصريحة لا يمكن إلا أن تُفضي إلى نتائجها المنطقية؛ ومنها صدق معاناة المواطنين الاقتصادية، مما يجعل خروجهم مطالبين بحقوقهم أمرا مشروعا وضرورة ملحة..
الانكباب على تفكيك كل مكونات "غول الغلاء"؛ خصوصا غير المبرر، إذ منه من صنعه الريع صنعا، وركبه على مقاسه..
دفع أثرياء الوطن إلى نوع من التضامن الاقتصادي، بتقليص هوامش الأرباح؛ وفي هذا استعادة لبعض اشتغالات الحركة الوطنية، وهي تقوي الجبهة الداخلية لمواجهة المستعمر.
مراجعة المعاشات والأجور، في اتجاه رفع القدرة الشرائية للمواطنين. هل يمكن أن يتحقق "صلح الحليبية"، ويفضي إلى فتح وطني يتفكك فيه التوتر، ويُزال الغَبَش؟ أيتها الوجوه التي يزهو بك الوطن تحركي.. اليوم يومك.
وعسى أن تسعد كل من خدوج ويامنة وحادة وجلول والتهامي وقدور بعودة البسمة الصباحية، وهم يمارسون مع أبقارهم طقسهم الحليبي الأزلي. وحتى لا تقطع يُمنانا يسرانا.
وعيدكم مبارك