-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

في كتاب حسن بحراوي: غوص في المكونات السير ذاتية لدى عبد الكريم غلاب

الرباط ـ «القدس العربي» من الطاهر الطويل: يؤكد الناقد المغربي حسن بحراوي على أن «إقامته» المطولة إلى جوار الأديب المغربي الراحل عبد الكريم غلاب أفضت إلى خلاصة أساسية،
مفادها أنه على عكس الانطباع الرائج من أن أدب هذا الكاتب تخييلي في معظمه، أي قليل الاحتفاء بالجوانب الذاتية، فإن ثمة تراكما لا بأس به في الإنتاج السيرذاتي المباشر، قوامه أربعة أعمال منشورة مستقلة: «سِفر التكوين»، «القاهرة تبوح بأسرارها»، «سبعة أبواب»، «الشيخوخة الظالمة»، بغضّ النظر عن العناصر الشخصية الكثيرة الداخلة في تكوين رواياته ونصوصه التأملية والرِّحلية وغيرها.
في كتابه الصادر حديثا تحت عنوان «بصمة المعلم من الذات إلى الوطن»، أثار حسن بحراوي الانتباه إلى وجود أطروحة راسخة تتخلل الأعمال الأربعة المذكورة، تتمثل في الجدل الدائم والمتواصل بين الذات والوطن، في تجربة الكاتب عبد الكريم غلاب. ويوضح ذلك قائلا: «بتتبع منعرجات هذا الجدل المفترض القائم في أعمال هذا الكاتب، ستبرز إلى الوجود ملامح هذه الأطروحة جلية للعيان، لدرجة يمكن الإمساك بمظاهرها والاستدلال على خصوبتها، من خلال الوقوف على ذلك التواشج القائم بين ذاتية الكاتب وتربة الوطن الذي يعيش فيه، ومن ثم اكتشاف صورة الذات الكاتبة في مرآة الوطن، وتأمل حضور الوطن عبر قناة تلك الذات. وستكون النتيجة هي نهوض نصوص غلاب السيرذاتية كفضاء للتبادل بين الأنا ومحيطها، من خلال تحقيق نوع من التطابق المنتج بين مكوّنين أساسيين في العملية الإبداعية، في إطار من التناغم الإنساني الذي يُنسِّب العلاقة بين الفاعل والمنفعل، ويؤكد طرفي تلك المعادلة التي تنخرط فيها الكتابة لدى غلاب: تذويت الوطن وتبيئة الذات.
«سِفر التكوين»
يؤرخ الكتاب الأتوبيوغرافي «سِفر التكوين» لمرحلة الطفولة والصبا لدى عبد الكريم غلاب، ويحتوي على تأملات تحليلية لامعة في الكيفية التي تمكن بواسطتها الكاتب، وهو يافع، من تجاوز كل الكوابح والمحظورات، مثلما يلاحظ حسن بحراوي، فعن طريق إدمان القراءة أفلح في معالجة كبته الجنسي وعذاباته النفسية التي كان يسببها له خجله وانطواؤه، وقاوم القهر الاجتماعي والقهر السياسي، بالانخراط في الخلية الوطنية التي نقلته من تلميذ يدرس العلم إلى تلميذ يدرس السياسة، وبثت فيه كراهية الاستعمار، وعرّفته بوضعية بلاده في ظل الاحتلال.
وعلى المستوى الذهني والفكري، استعان بالسلفية ليقطع مع تقديس الأضرحة والأولياء، ويثور على الممارسات الغيبية والبِدع التي روج لها الفهم الطُّرقي والشعبي للإسلام، فكانت قراءاته لفرسان السلفية الثلاثة: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا سبيلا إلى تحرير عقله ووجدانه، وإعادة النظر في ما تلقاه في حلقات جامع القرويين في مدينة فاس. وهكذا، حصّن «الفتى» عبد الكريم غلاب نفسه من جميع النواحي النفسية والاجتماعية والفكرية، وأصبح على أتم الاستعداد لخوض تجربته التاريخية الخاصة في الحياة والوجود والنضال.
«القاهرة تبوح بأسرارها»
يقول عبد الكريم غلاب في كتابه «القاهرة تبوح بأسرارها» إنه قضى أزهى فترات شبابه في مصر، إذ عرف فيها فكره الحركة والتطور والانفعال، وعرف فيها الجامعة والمكتبة ودار الأوبرا والمسرح والنادي، استمع فيها إلى الخطباء والمحاضرين والشعراء، وعايش الكتاب والفنانين والأدباء والسياسيين. كانت له جلسات مع أروع أصوات أنجبتها مصر: أم كلثوم، أسمهان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، الشيخ زكريا أحمد والشيخ رفعت والشيخ الحصري. استمتع فيها بفن جورج أبيض في أروع المآسي اليونانية ونجيب الريحاني في أجمل مهازل العصر المسرحية.
«سبعة أبواب»
يؤرخ كتاب «سبعة أبواب» للسيرة السجنية عند عبد الكريم غلاب، ويشير حسن بحراوي إلى أن هذا الكتاب عبارة عن مذكرات سجنية كُتبت بإحساس ذاتي عميق وزاخر بمشاعر التضحية والوطنية، التي رافقت حقبة الاحتقان السياسي والهياج الشعبي في أعقاب نفي العاهل المغربي الراحل محمد الخامس في صيف 1953. ومن المفارقات المسجلة في السيرة السجنية للكاتب غلاب أنها تمارس، على مستوى الكتابة، نوعا من التباعد الذي يجعلها تنأى عن الأسلوب الحميمي المفترض في كل نص أوتوبيوغرافي، ولذلك، فإن أكثر ما تحتفي به هو تصوير تلك الفضاءات الكابحة للحرية التي يزخر بها السجن بوصفه نقطة انتقال من العالم الرحيب في الخارج إلى الذات المنغلقة على نفسها في الداخل.
«الشيخوخة الظالمة»
يعتبر الكاتب عنوان كتاب «الشيخوخة الظالمة» من فصيلة العناوين الخادعة التي تضلل القارئ وتصرفه بعيدا عن المراد الذي يرمي إليه المؤلف، فبعد الانتهاء من قراءة الكتاب، خاصة الفصل الأخير منه، حيث يفلسف الكاتب نظرته إلى الشيخوخة، ويعتبرها في التحليل النهائي أجمل مرحلة في الحياة، يهتدي القارئ إلى أن ذلك العنوان يضمر عكس ما يوحي به في منطوقه، ويفهم أخيرا ـ ربما بعد فوات الأوان ـ أن حيلة ظريفة قد انطلت عليه، وكأن الكاتب الشيخ (وهو بالغ الجدية) أراد أن يسخر من ذكائنا بتدبيره هذا المقلب الحكائي الظريف.
ومن بين الخلاصات التي خرج بها حسن بحراوي بعد دراسة الكتب الأربعة المذكورة أن مؤلفها عبد الكريم غلاب، نَزَّهَ عمله الأوتوبيوغرافي هذا عن أمرين مشينين في كل سيرة ذاتية، وهما نقيصتا التمجيد الذاتي وكسب التأييد الأيديولوجي. فمن جهة أولى، نجده قد تجنب الإشادة بصفاته الشخصية وتلافي تمجيد الذات مهما تكن بواعثه ودواعيه، مبتعدًا عن ذلك التقليد الشائع في إبداء الإعجاب بالنفس والتنويه بما حققته من منجز، واستعاض عن ذلك بممارسة النقد الذاتي والصدع بالعيوب ونقاط الضعف الإنسانية. وهو أمر يُحسب للكاتب في ميزان الإيجابيات الذي رجحه لصالحه، بالانصراف بكامل همّته إلى التصوير الأمين لمراحل حياته وتاريخه الشخصي، كما مرّت بالفعل، وحَيَوات الذين جايلوه أو عاشوا إلى جواره في وقت من الأوقات. ورأى أن الإشارة إليهم كفيلة بأن تضيء بعض جوانب شخصيته وتجربته الذاتية.
كما ترفّع الكاتب، من جهة ثانية، عن كسب تأييد القارئ لفكرته السياسية وأيديولوجيته الاستقلالية. فمع أنه من أكبر منظّري الفكر الاستقلالي بعد الزعيم علال الفاسي، فإن الناقد يلاحظ أنه حرص على إضمار الفكرة السياسية لفائدة التحليل الموضوعي للوقائع، من دون أن ينساق وراء النزعة الدعائية المتفشية في كتب السياسيين، وهو قد نجح في ذلك إلى حد بعيد، عندما ترك الأفكار تتصادى وتتجاذب، ووجهات النظر تعبّر عن نفسها بكل تلقائية وحرية، اللهم إلا عندما يتعلق الأمر بالأطروحات الاستعمارية الموغلة في الشوفينية أو الأفكار المأجورة لوجه الدسيسة والتآمر وما شاكلها.
تبقى الإشارة إلى أن كتاب «بصمة المعلم من الذات إلى الوطن» يقع في 110 صفحات من القطع المتوسط، وصدر ضمن منشــورات «مقاربات للنشر والصناعات الثقافية».

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا