تشكل المادة الخطية تجسيدا صريحا وبعدا ناضجا في أعمال الخطاطة نورية رياضي. فتجسيدها للتقنيات المتنوعة وتوظيف مفردات الثقافة المغربية والموروث الحضاري
المغربي، يُعد أحد أبرز المكونات الحيوية في أعمالها الإبداعية، فما تفتأ تلعب الأنواع الخطية المغربية أدوارا في تشكيل الفضاء، حتى تحول المادة الخطية إلى تشكيل دال على مناحي تعبيرية، قوامها الخط المغربي في أبعاده الجمالية، لتظل السمة المهيمنة على أسلوبها الحروفي، مقيدة بما تحمله من توجه فني معاصر، الشيء الذي يبدي أعمالها في صياغة فنية رائقة.ويخول لها في الآن نفسه فسح المجال للتعدد القرائي على عدة مستويات، ليُمكّن من رصد توجهات المجال الخطي لديها من زوايا متعددة، خاصة أن المبدعة تطرق مضامين روحية وتشكلها في أعمال ترتبط أساسا بالموروث الحضاري المغربي.
لذلك فصياغة الحروف تتخذ منحى شكلانيا، خاصة في خط الثلث المغربي، والخط المغربي المبسوط، في اكتساح بارز لبعض من المساحة واختزال بعضها الآخر؛ ما يؤثر في البعد البصري، ويُظهر القيمة الفنية للمنجز الخطي، خاصة أن خط الثلث المغربي يتمظهر في الكتلة، لتتقوى المظهرية البصرية وترقى بالعمل الفني إلى حيز إبداعي، بجماليات متفردة؛ باستناد قوي إلى البعد الشكلاني، ومقاربته بالإيقاع لينسجم مع تصوراتها، ويتلاءم مع المادة الفنية التعبيرية التي تروم الجديد في مجال الخط المغربي، في توجه فني مباشر يبرز القدرة الإبداعية لتخصيب مجال الخط المغربي، وإعطائه ما يستحق من عناية فنية.
إنها تجربة غنية تنم عن بلاغة خطية رصينة وعن خصائص فنية مقترنة بالبعد الشكلاني في الحرف المغربي، ومرتبطة بالبعد الجمالي، ما يجعل معظم أعمالها محملة بمجموعة كبيرة من الخصائص الحروفية، الشيء الذي يوضح استيعابها للمادة الخطية المغربية في علاقتها بالمجال الفني، وبذلك تستطيع أن تستلهم من عناصر الخط المغربي كل الأساسيات التي تبني عليها عملية التوظيف الفني المتيح لإنتاج الدلالات. فمن جماليات ذلك التوظيف قدرتها على تحقيق التجانس في المساحة بين الكتل والمقاطع، في نطاق تركيبات خطية متنوعة، وتطريز بعض الخطوط والزخارف على نحو من الجمال المنسق الملتزم بالنسبة الفاضلة، خاصة في خط الثلث المغربي التجليلي، وتطويع الحروف في بؤر فنية بعيدة عن الانكماش والتقوقع الجامد، إنها إحداثية معاصرة في الخط المغربي، تُشكل نبضا جماليا وقيميا.
يبدو أن الخطاطة نورية رياضي تهتم إلى حد كبير بعمليات التوازن والانسجام بين مختلف المفردات الخطية والفنية، أثناء تطويع اللون والشكل للاندماج مع الخط خدمة للمضامين التي تشتغل عليها، بقدر ما تتيحه هذه العناصر من وظائف بنائية ودلالية، وهو ما يسهم في استحضار الأبعاد القيمية التي تترسب في قلب المبدعة وتعطيها شحنات الإنتاج، قبل أن تتمركز في ما يستدعيه العمل من ميزات وجماليات الخط المغربي. ومن هذا المنطلق تستطيع الخطاطة نورية رياضي أن تثبت ما تحمله تقنياتها العالية، ومهاراتها الفائقة من إبداع خطي مغربي جديد، تبدي من خلاله أفكارها وتُجسد فيه تعبيراتها وفق شكلانية حروفية وتوظيف فني معاصر.
٭ كاتب مغربي