"تبدأ الامتحانات الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة؛ حتى تعلن حالة الطوارئ القصوى في البيوت، وكأن إعصارا عاتيا سيضربها، وتدق أجراس الإنذار معلنة توقف
الزيارات الاجتماعية وانقطاع التواصل المرئي والمسموع وإغلاق كل قنوات الربط الخارجي مع العالم. يغلق التلفاز نهائيا، أو يسحب إلى غرفة الأم، وتُصادر الجوّالات وتقنيات التواصل التي بأيدي الأبناء، وتمنع الزيارات وتصبح الأحاديث همسا منعا للإزعاج، وترابط الأم في المنزل كالليث الهصور الذي يحمي عرينه من غارة المعتدين، ويتحول المنزل إلى ساحة حرب". (1)
وبهذا تتحول الامتحانات من أداة لقياس مدى معرفة الإنسان لمعلومة في مُقرّر، أو معالجة مفردة في موضوع، إلى اعتبارها مسألة تمس هوية الفرد، "تهدد الوجود والكيان الإنساني وتؤثر في شخصية المرء حتى أعماقها وجذورها".(2) ولتغدو الامتحانات ليست منحصرة في إطار استدعاء للمعلومات فقط، بل "سبرا للمعلومات وغير المعلومات، حتى لكأن الامتحان وُجد لتقييم ذات الإنسان وليس لمعلوماته، يقيّم شخصه ومُثله وأخلاقه، إلخ".
وتترسخ هذه الفكرة أكثر فأكثر من خلال الاستعارات أو العبارات المصاحبة للامتحانات: "يوم الامتحان.. يوم يكرم فيه المرء أو يُهان"، وما يقوم به بعض الآباء والأمهات من جعل تفوق ابنهم الدراسي شرط محبتهم إياه، كأن يرددوا على مسامعه: "لن أحبك إن لم تأخذ علامة جيدة في مادة الرياضيات" -مثلا-، أو يقولون له: "إن أنت أخذت الأول على المدرسة، فسوف أعطيك كذا وكذا أو أرضى عنك، إلخ". (2)