ثقافات – الحسن حمو(**) الكونتيسة(1)،رواية لمصطفى الحمداوي، المبدع المغربي المغترب بالأراضي المنخفضة صدرت في أكتوبر 2019؛ عن دار الفاصلة للنشر، تقع في 314 صفحة. هي الأخيرة في لائحة إبداعاته الروائية، عالج فيها السارد واحدة من أكثر الأساطير الشعبية تداولا، يتعلق الأمر بـميثولوجيا “عيشة قنديشة”(2)؛ الذائعة الصيت في المغرب والعالم العربي والغربي، من خلال تمثلات وأحداث متقاربة، وأسماء مختلفة؛ من قبيل(الكونتيسة /القديسة /قنديشة / النداهة / أم الدويس…).
نظرا للقيمة الثقافية التي تزخر بها الأسطورة الشعبية، اشتغلت بها مجموعة من الأعمال الفنية التي قاربتها من زوايا مختلفة، ومن أهمها:
– عائشة القديسة، رواية لمصطفى لغتيري، دار النيات للنشر، سوريا، 2008.
– وادي الدماء، مجموعة قصصية لعبد المجيد بن جلون (قصة عائشة)، دار الثقافة بالدار البيضاء.
– هواجس بعد منتصف الليل قصة لجواد العادلي، القصة تحولت إلى فيلم من إخراج محمد العليوي.
– عيشة قنديشة أو الجنية التي أرادت أن تصبح إنسية، مسرحية لعبد الكريم برشيد، مؤسسة اديسوفت للنشر.
-عيشة قنديشة، مسرحية لفرقة أطلس دمنات للفنون، يوليوز 2018.
-شكون هي عيشة، (من هي عائشة؟) مسرحية لفرقة “سوق أرت” 2015.
– عائشة… (سلسة حلقات البعد الآخر) فيلم من إخراج محمد الكغاط، 2006.
– زرايفاZrayfa بالأمازيغية، فيلم من إخراج عبد العزيز أوالسايح.
موضوع الرواية
استهل السارد عمله الإبداعي بطابع العجائبية الذي يكتسي نمط النصوص الحكائية، عن طريق الراوي؛ سمير الكامل (بطل الرواية)، يتعلق الحكي بفتاة ” كانت تسير منتصبة القامة، وهي عارية تماما، فوق قارب خشبي صغير، كما لو أنها قالب من السكر، قاطعة بحيرة (ضاية عوا)، التي تحول ماؤها الهادئ فجأة إلى مستنقع دم…”(3)
إنها الحادثة ذاتها التي سيقص الراوي المهندس الشاب سمير أحداثها بالتفصيل، وذلك ابتداء من ص210، وستشغل باله وتستحوذ على تفكيره وتؤثر على نمط حياته إلى درجة فقد معها توازنه، فاضطر لزيارة طبيب متخصص في الطب النفسي.
تتوزع أحداث الرواية بين حانة الأطلس/حانة الكذابين لمالكها موحا أوحدو، ومسكن المهندس، وبعض المواقع بمدينة إفران وضواحيها، بالإضافة إلى أماكن أخرى ثانوية كمدريد والدريوش والشاون وفاس…،
يظل الخيط الناظم بين مختلف الأحداث هو صورة الكونتسية/عيشة قنديشة، المتجسدة في اللوحة المعلقة على صدر الحانة وهي تحمل صورة فتاة جميلة بحافري بقرة، حيث يرى فيها مالك الحانة موحا، وغريمه مايكل ماسون والفنان جمال المشرقي حبيبتهم “كارولين أودران”(4)، كما يري فيها كريم الرغاي (الملقب بعادل أوتار العود) صورة عشيقته “مارتا” التي انتحرت من فوق جسر على الطريق السيار؛ ويرى فيها المهندس سمير صورة تلك الفتاة الجميلة التي صادفها في طريقه نحو أزرو، وتعلق بها وأحبها حبا جنونيا، لكنه فشل في الاقتران بها، كما فشل جل أبطال الرواية في علاقاتهم العاطفية.
لقد استطاع الراوي (البطل) بثقافته ورصيده العلمي والمعرفي أن يتخطى الصعاب والضغوطات النفسية التي تعرض لها طيلة مدة إقامته بإفران، بل تمكن من حل مجموعة من الألغاز التي كانت مصدر قلق له ولغيره، ونزع القناع عن أحد أكثر المعتقدات الأسطورية شيوعا في المجتمع المغربي.
اختار الروائي مصطفى الحمداوي نهاية تراجيدية لمعظم شخوص عمله الفني؛ بين منتحر ومجنون وتائه.
شخوص الرواية
شخصيات الرواية -عموما- كائنات بشرية تائهة ، بطباع وسلوكات غريبة، مدمنة على شرب الكحول بحانة الأطلس، من جنسيات مختلفة، لا يجمع بينها إلا دفء الحانة وموسيقاها التي يعزفها ربيع المجد (عازف البيانو) وجيمس المغربي (عازف الساكسفون) وباربارا موريسون (مغنية الجاز):
– موحا أوحدو صاحب الحانة، رجل مسن بدون زوجة ولا أطفال، شغله الشاغل هو الجلوس قبالة لوحته “المقدسة” المعلقة خلف (كونتوار) الحانة يتأملها طول الوقت.
– كلود ادغارهنري جار مورو(كهل فرنسي) مدمن على شرب الخمر وتدخين الكيف، يدعي نسبه للنحات هنري جار مورو الذي نحت تمثال أسد إفران الشهير، وعليه فإن هذا الأسد الصخري صار في ملكيته إرثا عن جده هنري. انتهت به الأيام متشردا شبه مجنون، تكفلت السفارة الفرنسية بنقله من إفران إلى بلده الأصلي فرنسا.
– مايكل ماسون الفرنسي الأصل والإنجليزي الادعاء، يزعم بُنوّته لونستون تشرشل من عشيقته التي لم يقترن بها.
– كريم الرغاي (عادل أوتار العود) أستاذ الموسيقى، انعزالي، لا يتواصل مع الآخرين، عرضَت عليه عيشة قنديشة -ذات ليلة- الزواج بها بعدما قفزت من إطار لوحتها التي رسمها الفنان جمال المشرقي بمرسمه بتطوان.
كان يمارس الخطيئة مع أم عشيقته المنتحرة “مارتا”، كما كان يتلذذ -بحميمية- حين يعزف على العود. تعرض لطعنات من خنجر خالد المهاجر بإسبانيا كادت أن تفقده الحياة، لولا تدخل صديقته “مانويلا” التي انتزعت الخنجر من يد خالد لتقتله به، ثم تمزق جسمها هي الأخرى لتَلقى حتفها منتحرة وسط بركة من دمائها.
– البشير أمغار (حارس غابة) يلعب الشطرنج مع نفسه في الحانة، ينتصر أحيانا فيفرح، وينهزم أخرى فيقرح، وفي كلتا الحالتين هو المنتصر والمنهزم في الآن نفسه.
– كارمن لودفيج، امرأة غريبة الأطوار، تجلس في اتجاه الجدار، مولية ظهرها لرواد الحانة، تجمعها بشجرة (كورو)(5) بمدينة إفران علاقة عشق وغرام، إلى درجة أنها حاولت كتابة عقد قرانها بعشيقها هذا (شجر(ة) كورو) في الكنيسة الكاثوليكية بالدار البيضاء، بل وانتهى بها المطاف منتحرة بإلقاء نفسها من أعلى نفس الشجر(ة) بعدما مارست حميميتها معه/معها.
– جمال المشرقي، فنان ذائع الصيت في سن الثمانين، أحب هو الآخر “كارولين أودران”، وهو مَن رسم لوحة الكونتيسة المعلقة في حانة الأطلس، وضع حدا لحياته بإحراق نفسه بين لوحاته.
– سمير الكامل شاب قنيطري، حديث العهد بمهنة (الهندسة الزراعية)، عين بمدينة إفران للقيام بمهمة محاربة “الدودة الجرارة”التي اجتاحت بعض المناطق بغابات الأطلس المتوسط.
تعلق قلبه بفتاة جميلة لم يتأكد من آدميتها…أوشك على فقدان توازنه العقلي، قبل أن يتدارك الأمر ويعرض نفسه على طبيب نفساني.
معظم شخوص الرواية انتهت حياتهم إما إلى الانتحار أو الجنون أو التشرد… ربما رواد الحانات والملاهي الليلية من المدمنين على الكحول تكون مصائرهم شبيهة بهذه، بسبب ظروفهم العائلية والاجتماعية والاقتصادية وأحوالهم النفسية والروحية…
الشخصيات | صفاتها | مصائرها | |
1 | سمير الكامل | مهندس زراعي (بطل الرواية) | كاد أن يصاب بخلل عقلي لولا زيارته لطبيب نفساني |
2 | كريم الرغاي | أستاذ الموسيقى | تعرض لضربات بالخنجر كادت أن تودي بحياته |
3 | كلود ادغارهنري | فرنسي في سن الخامسة والخمسين مدمن على شرب الخمر وتدخين “الكيف” | اختل عقليا وتشرد |
4 | جمال المشرقي | رسام مغربي من تطوان | انتحر بإحراق نفسه وسط لوحاته الفنية |
5 | كارمن لودفيج | سيدة منطوية على نفسها بتصرفات غريبة | انتحرت ملقية بنفسها من أعلى شجرة “كورو” |
6 | مارتا | فتاة اسبانية جميلة، عشيقة كريم الرغاي | انتحرت ملقية بنفسها من أعلى جسر على الطريق السيار |
7 | مانويلا | سيدة إسبانية،والدة مارتا | انتحرت بتمزيق جسمها بخنجر |