لم يعرف أرشيف التلفزة المغربية برنامجا ثقافيا رائدا أكثر وأشهر وأفيد من برنامج "مشارف " الذي كان يعده ويقدمه الأديب والصحفي ياسين عدنان على مدى أكثر من عقد من الزمن والذي استطاع بحسه الثقافي العميق وديناميته الشبابية المقدامة أن يجعل من هذا البرنامج واجهة متألقة ومشرفة ليس للثقافة المغربية فحسب وإنما أيضا للثقافة العربية بشكل أوسع وأشمل بحيث انفتح البرنامج ضمن أفق دمقرطة الثقافة والحق في إعلام ثقافي رصين على مختلف الأجناس الأدبية والفنية وعلى مختلف الأجيال من الكاتبات والكتاب في المغرب والمشرق العربي لا فرق في ذلك بين كاتب من الرواد قادم من العقود الماضية وبين كاتب شاب قد لا يكون في رصيده سوى كتابا واحدا إما رواية أو ديوان شعر أومجموعة قصصية أو دراسة نقدية ...
ولأن أجنحة المغامرة لا تكل في جسد السندباد الثقافي المغربي ياسين عدنان فقد أغلق بيت "مشارف " وفتح بيتا آخر أوسع رحابة وألذ أطباقا عنوانه (بيت ياسين) الذي شرع أبوابه لأول مرة يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018 ومنذ هذه الجمعة المباركة تواصلت المغامرة لسنتين متتاليتين. مغامرة أترك الصحفي والأديب ياسين عدنان ليحدثكم بلسانه المغردعنها :
" اقترحنا خلالها رؤية خاصة بنا للبرنامج التلفزيوني المُختصِّ في شؤون الثقافة والفن. حوَّلنا البّلاتو إلى بيت، والحوار إلى دردشة، وجعلنا البساط أحمديًّا.
خلال هاتين السنتين، تمَّ بثُّ ثلاثة مواسم
متتالية على شاشة #قناة_الغد أنتجنا خلالها 75 حلقة طويلة استقبلنا خلالها أزيد من
90 ضيفة وضيفا من أهم الأدباء والشعراء والمفكرين والفنانين العرب. ورغم أننا
حضَّرنا لكم المزيد من الضيوف، فقد جاءت #كورونا لتعصف ببرنامج تصوير الموسم
الرابع. كنّا قد رتّبنا كل شيء تقريبًا، على مستوى لوجستيك التصوير في #القاهرة
ومع ضيوفنا الذين صار من المستحيل على غالبيتهم التّنقُّل من بلدانهم وعواصمهم إلى
#القاهرة في ظل استشراء الوباء.
حاولنا التفكير في بدائل، كما فعل زملاؤنا هنا
وهناك. الصديق العزيز #جمال_العرضاوي استعاض عن جولاته في #المشّاء بحوارٍ من وراء
شاشة. نفس الشيء بالنسبة لزميلنا العزيز #خالد_منتصر الذي واصل حواراته الفكرية
المتميزة في برنامجه #يتفكّرون مع مفكِّرَين يستضيفهما عن بعد من خلال مكاتب
القناة في العالم العربي. لكن بالنسبة لنا في بيت ياسين، كان الحل صعبا. تقريبًا
شبه مستحيل. لأن البرنامج ببساطة ليس برنامجا. منذ البداية فكّرنا فيه كما لو كان
عملًا دراميًّا بتصويرٍ شبهِ سينمائي يحتاج دقَّة خاصة على مستوى الإضاءة
والتصوير. ثم إنه دراما فعلا. سيناريو زيارة: ضيفٌ يزور صديقًا في بيته، ويتنقّل
معه عبر غُرف الشّقة وهما يتجاذبان أطراف الحديث. العمل دراميٌّ تقريبًا. والدليل
أننا لا ننظر باتجاه الكاميرا. (هل ينظر الممثلون إلى الكاميرا أثناء تصوير
الأفلام؟) إذن نحن في هذا البيت نتصرّف خارج منطق البرنامج التلفزيوني. ليس هناك
لا "مشاهديَّ الأعزاء" ولا "شكرًا، وإلى اللقاء". لذا فكلُّ
محاولة للاستعانة بالمُتاح اليوم من تواصُلٍ عبر #سكايب و #زوم أو حتى عبر مكاتب
القناة، ممّا أفاد قطعًا العديد من البرامج الإخبارية والحوارية، لن تفيدنا نحن.
لن تفيد أبدًا في بيتٍ أهمُّ ما استَثمَر فيه هو الحميمية والدّفء. لا يمكننا في
زمن التَّباعد الجسدي، والتّباعد الاجتماعي كما يسمونه خطأً وعلى نحوٍ مريعٍ، أن
نقدِّم لكم لحظة تلفزيونية هدفُها تعزيز القُرب والمراهنة عليه لتعزيز التقارب بين
التجارب والأجيال والثقافات.
إذن، هي استراحة مُحارب. أو لنقل، استراحةُ مُضيف.
مع بداية هذا الشهر، لجأت قناة الغد إلى ذخيرة
البرنامج. تابعتُ الجمعة الماضية حلقة #كريمة_الصقلي باستمتاع، وكأنني أتابعها
لأول مرة. وكأنني لستُ من أعدَّها وقدَّمها. كانت بالنسبة لي مُتعةً بالغة. والآن
أنتظر حلقة الجمعة المقبلة، والجُمَعِ التي بعدها. لعلها فرصتي أنا الآخر لأتابع
حلقات البرنامج بمسافة، وتجرُّد، في انتظار أن يُرفع عنّا هذا البلاء. لتعُود
حركتُنا الحُرَّة في الجغرافيا إلى سابق انطلاقها، وتُفتح الأبواب من جديد.
«يعتقدون أن لا شيء سوف يحدث، فقط لأنهم
أغلقوا أبوابهم»... هكذا قال موريس ماترلينك مرة. ونحن أبدًا لا نتصوّر الأبواب
إلا مُشرَعة في وجه الأصدقاء.
وفي انتظار ذلك، أعود فأذكِّر بأننا نحتفل
اليوم بمرور سنتين على انطلاق هذه المغامرة. شكرًا لكل من ساهم في صناعة هذه
اللحظة التلفزيونية الدافئة من إدارة وفنيين وتقنيين. وإليكم هذا الفيديو من أجواء
التصوير. مع أطيب المتمنيات لآل البيتِ وصحْبِه ومُتابعيه.
مراكش في 12 أكتوبر 2020