تقديم:أحمد سيجلماسي : يعتبر الدكتور حمادي كيروم من وجوه الثقافة السينمائية المعروفة داخل المغرب وخارجه، راكم تجربة معتبرة في التنشيط السينمائي وتنظيم اللقاءات والندوات والتظاهرات والمهرجانات السينمائية منذ كان عضوا نشيطا ورئيسا لأكبر نادي سينمائي شهدته مدينة الدار البيضاء في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بشكل خاص، وهو "نادي العمل".
بعد ذلك
ساهم إلى جانب فاعلين آخرين في تأسيس "الجمعية المغربية لنقاد السينما"
في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وهو من الأعمدة الرئيسية لمهرجان الرباط الدولي
لسينما المؤلف، منذ تأسيسه إلى أن بلغ دورته الخامسة والعشرين في أكتوبر 2020.
تميز السينفيلي
الكبير والأستاذ الجامعي حمادي كيروم بحضوره اللافت في المهرجانات والندوات ولجن
التحكيم وغيرها من المناسبات السينمائية، وبتأطيره لطلبة السينما والسمعي البصري هنا
وهناك، خاصة طلبة المدرسة الوطنية العليا للفن والديزاين بالمحمدية وطلبة ماستر
تحليل الخطاب السينمائي بكلية الجديدة، وبشبكة علاقاته الواسعة مع كبار المبدعين
السينمائيين داخل الوطن وخارجه.
يأسرك وأنت تستمع إليه بعمقه وفصاحته اللغوية وبجرأته
الفكرية وقدرته على إبداع أساليب جديدة في التنظيم.
من جديد مبادراته الإعلان عن تنظيم الدورة
الأولى للمهرجان الدولي للسينما المستقلة بالدار البيضاء من 27 إلى 31 يناير الجاري..
فيما يلي
حوار معه حول هذا المولود الجديد:
1، كيف جاءت فكرة تنظيم
مهرجان دولي جديد متخصص في السينما المستقلة بمدينة الدار البيضاء؟
يدخل اختيار
فكرة تنظيم المهرجان الدولي للسينما المستقلة بالدار البيضاء في إطار ما يسميه
الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز بضرورة المساهمة في "الصيرورة الديموقراطية لشعب
سوف ياتي"، وذلك من خلال خلق وإبداع
فضاءات للمقاومة بواسطة الفن وابتكار أشكال جذمورية (1) من العيش في مدينة مثل الدار
البيضاء وتكسير الفضاءات المخددة من طرف
الأنظمة
السلطوية بكل تجلياتها المالية والسياسية والعقدية والطبقية وغيرها.
وأرى أن الفن السينمائي من بين أقوى الوسائل
المعاصرة التي تخلق الألفة مع العالم من حيث التسلية واللذة والرغبة وتحفيز التفكر
والتأمل...
السينما المستقلة اختيار تفرضه اللحظة المعاصرة
التي تجاوزت مرحلة الحداثة، وهذه اللحظة في حاجة إلى طرح أسئلة جديدة حول علاقة المخرجين
الشباب مع الفن السينمائي ومع التحولات التكنولوجية والرقمية التي أصبحت الآن تسمح
بتجاوز العقلية التقليدية للإنتاج الضخم والاستثمار الفرجوي والإخراج والتوزيع...
2، لماذا مدينة الدار البيضاء بالضبط،
التي يشاع أن المهرجانات السينمائية لا تنجح فيها بسبب شساعتها؟
اختيار
الدار البيضاء هو اختيار رمزي لأنها أيقونة الحداثة والمعاصرة المغربية، فبها توجد
أكثر من خمسين مؤسسة، بين حكومية وخاصة، تدرس الصورة والميديا وفنون السمعي البصري. إذن كل
هؤلاء الشباب من الطلبة والمتخرجين من هذه المؤسسات التكوينية وغيرهم في حاجة إلى
منصة أو أغورا (Agora) للتلقي والتعلم وتبادل التجارب مع الآخرين
وطنيا ودوليا.
3، ما هي الأهداف المسطرة للمهرجان؟
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، يهدف المهرجان أيضا إلى
استقلال الشباب وتحريرهم من الإكراهات الإنتاجية، وذلك بمساعدتهم على إيجاد وسائل إنتاجية
حديثة وخفيفة. كما يهدف إلى إعلان القطيعة الفنية والحرفية مع الدراما التقليدية
وسيطرة النموذج التقليدي المقيد بالحبكة والقصة والأبطال، بغية إعطاء الفرصة
لسينما مغايرة اختزالية .. سينما تجريبية تتجاوز الأنواع والأجناس التقليدية..
سينما الاستعجال (Guérilla) المنسجمة مع إيقاع السرعة الذي تسير به الحياة المعاصرة.. الغاية
من كل هذا هي تطوير ودعم إستطيقا السينما، عبر إعادة السينما إلى أصلها الفني
والجمالي، والإحتفاء بملكة الإستبصار عوض الحدوثة والقصة.
4، ما هي أهم فقرات برنامج
الدورة الأولى التأسيسية للمهرجان، التي ستنظم رقميا من 27 إلى 31 يناير الجاري؟
يتضمن برنامج المهرجان منصة حوارية تفاعلية (Agora) بين المخرجين الشباب وبين السينمائيين المتميزين والمفكرين
والتشكيليين والموسيقيين والروائيين وغيرهم من المبدعين، من أجل الإستفادة
المتبادلة بين مختلف الحقول المعرفية والنهل من تجربة كل الأجيال، كما يتضمن عروضا
سينمائية ولقاءات فنية وثقافية مختلفة.
5، ما هي الجهة المنظمة والجهات الداعمة لكم في
هذا المشروع الفني والثقافي الطموح؟
المهرجان نفسه هو الجهة المنظمة لأنه عبارة عن
جمعية/ شبكة، فهو ينظم نفسه بنفسه من خلال مجموعة من الشبكات الجامعية والطلابية
والأكاديميين وبعض أفراد المجتمع المدني..
من بين المدعمين للمهرجان هناك مؤسسات جامعية
ومنظمات دولية ومهرجانات عالمية.. هذا إضافة إلى مساندة مجموعة من المخرجين
والمفكرين والفنانين أمثال جيلالي فرحاتي وسعد الشرايبي وحكيم بلعباس وفوزي بن السعيدي
ونزهة رحيل وسيمون بيتون ورشيد مشهراوي وإيليا سليمان وعبد اللطيف عبد الحميد وشاروناس
بارتاس وأشغر فرهادي و كريستيون مانغي وبيلا تار وإمير كوستاريكا وهيلي غيريما ودان
سميث والمفكر جان لوي كومولي وجورج ديدي هوبرمان وآخرين...
كل هذه المؤسسات والأسماء تضمن للمهرجان تحقيق هذا الطموح الفني والعلمي والاكاديمي المرتبط بمشروع جعل السينما تفكر وتغير وتبني المستقبل بالحلم والحس والعقل.
هامش:
(1)
جذمورية
من الجذمور (RHIZOMES) وهي نبتة تحت أرضية تتحرك جذورها بشكل شبكي ويمكنها أن تنبت في
أي مكان، كما أنها عكس الشجرة والجذور والفروع.. هذا المفهوم نجده في نظرية
للفيلسوفين جيل دولوز وفليكس غتاري. والمقصود بالأشكال الجذمورية
تلك التي تكون فيها العلاقة متشابكة وبدون تراتبية أو طبقة أو رئيس ومرؤوس.