حاورها: نيللي كابري إرمليان وجان مارك لالان | ترجمة: عبدالله الحيمر
كتبت في مذكراتها: «سأدرس إنثولوجيا نفسي» بمعنى تشريح خصوصية الذات بدقة وجرأة بالغة. امرأة لا تنتمي إلى التقليد الكلاسيكي للروائيين الحائزين جائزة نوبل، ولم تكن أبدا جزءا من الطبقة البورجوازية، بل امرأة من الطبقة العاملة. تجعلنا ندرك أنه يجب علينا ليس فقط محاربة التمييز العنصري، لكن أيضا الفصل الطبقي والعدالة العرقية والعنصرية المعرفية. يمكن التعرف عليها، وعلاقتها بالسينما، بحوار متميز مع أيقونة نسوية.
حصل فيلم الحدث، للمخرجة اللبنانية الفرنسية أودري ديوان، على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي. عن روايتك «الحدث» الذي صدرت في عام 2000، حول موضوع الإجهاض. هل تعتقدين أن ما تم اتهامك به؛ في الأساس ناجم عما تتحدثين به عن تجربة الإجهاض؟
في عام 2000 كانت النسوية في أدنى مستوياتها. وعلى غلاف صحيفة نسائية، يمكننا قراءة عناوين مثل: «الضرب الخفيف هو كل ما نحتاجه». ظللنا نسمع عبارات مثل؛ «أنا لست نسوية لكن..». سقطت رواية «الحدث» مثل جسم غامض لمخلوقات فضائية في ذلك الوقت. كتب النقاد الذين تابعوا عملي نصوصا مدح رائعة عنها. لكن هذا الاستقبال الجيد لم يتجاوز الدائرة الأولى، لأولئك الذين كانوا مهتمين دائما بعملي. حتى الإعلامي برنارد بيفو في برنامجه «الحساء الثقافي» الذي دعاني ذلك الحين من أجل كتبي الأربعة أو الخمسة السابقة، لم يفعل ذلك من أجل هذا الكتاب بالضبط. لكن عن رواية «التخبط» [2001]. لقد تخطى رواية «الحدث»… لقد لمست الرواية شيئا لم يعد ذلك العصر يخشى الاقتراب منه. كان الإجهاض قانونيا وتم تعويضه لأكثر من عشرين عاما لكنه ظل شيئا مخزيا.
ما رأيك برواية «الحدث» حينما تحولت لفيلم سينمائي؟
اكتشفت الحدث في عرض خاص تماما، مع المخرجة أودري ديوان فقط، وممثل عن دار نشر غاليمار وأنا. قلت لنفسي على الفور أمام الفيلم: «نعم، هذا كل شيء!» المخرجة أودري ديوان استوعبت النص حقا، وفهمته بطريقة عادلة. في كلمات قليلة جدا، لأن الفيلم يدور حول شيء غير قابل للتواصل، فهي تجعلك تشعر بوخز الضمير أمام الضربات الاجتماعية التي تعرضت لها بطلة الفيلم. منذ اللحظة التي تعلم فيها الشابة أنها حامل، تنفصل عن الآخرين، عن وظيفتها، عن مستقبلها كما تخيلته. لقد انقلب العالم رأسا على عقب. الفيلم يلتقط هذا بطريقة لافتة للنظر. خاصة من خلال التمثيل المتميز لأنا ماريا فارتولوميو، ومن خلال تدرج الأحداث أيضا، والحيز الاجتماعي الذي يعزل الشخصية باستمرار في سيرورة الفيلم.
في رأيك، هل تشهد الاقتباسات السينمائية لروايتك «الشغف البسيط» للمخرج دانييل أربيد و»الحدث» للمخرجة أودري ديوان على الصدى المتزايد لعملك بين الأجيال الشابة من الفنانين؟
بالتأكيد، على الرغم من أنني لم أسأل نفسي السؤال حقا. قد يكون هناك درب.. كان هذان النصان في ذلك الوقت قد تم تلقيهما بشكل مختلف تماما. كان استقبال «الشغف البسيط» وهميا وضخما ومثيرا للجدل. من ناحية أخرى، أخذت رواية «الحدث» منعطفا آخر للنقاد.
كيف تشرحين أن العار مرتبط دائما بالموضوع الجنسي للمرأة؟
ما وراء النشاط الجنسي، أود أن أقول إن هناك عارا مرتبطا بجسد الأنثى. الجسد الحقيقي للمرأة يحرج الأدب وكذلك المجتمع. بقدر ما يتعلق الأمر بالإجهاض، شيء أكثر من ذلك: النساء ينتحلن لأنفسهن حق الحياة أو الموت، وهو أمر غير مقبول في العالم كما تم تنظيمه لآلاف السنين.
الجسد الحقيقي للمرأة يحرج الأدب وكذلك المجتمع. بقدر ما يتعلق الأمر بالإجهاض، شيء أكثر من ذلك: النساء ينتحلن لأنفسهن حق الحياة أو الموت، وهو أمر غير مقبول في العالم كما تم تنظيمه لآلاف السنين.
قلت «الاضطرار إلى التحدث عن هذه التجربة، لأن عدم الحديث عنها يحجب تجربة النساء، وبالتالي يلعب لعبة هيمنة الذكور».
نعم.. من خلال ذكرها دقيقة بدقيقة، من خلال عدم حذف أي شيء توحي به، كنت أعرف أنه سيخنق الآخرين. كان عمري حوالي 60 عاما عندما كتبت رواية «الحدث» واعتقدت أنه قريبا ستختفي ذكرى هذه التجربة المتكررة كامرأة. أنه كان لا بد من نقلها للرواية. لأنها يمكن أن تعود من جديد. واعتقدت أنني ينبغي أن لا استخدم أي حجاب للتخفيف من هذا العنف. لم يكن هذا هو الواقع، بالنسبة لي، كانت أكثر تجربة لا تطاق على الإطلاق. هذا الوعي بالكتابة ضد الهيمنة، لم يأت على الفور، لكن الرغبة في قول ما يعنيه أن تكون امرأة يأتي مبكرا. هذا هو قلب رواية «الخزائن الفارغة» حيث أذكر بالفعل الإجهاض والحيض والاستمناء. كنت حريصة جدا على ذلك. صحيح أن الحيض، وهو تجربة تشغل الكثير من حياة المرأة، يبدو قليلا جدا في الأدب. حتى بطلة الرواية «كاثرين ميليت» لا تذكرها في الحياة الجنسية لكاثرين إم. أثناء قراءتها، سألت نفسي عدة مرات كيف فعلت هذا عندما كانت حائضة، لكن الجواب ليس في الكتاب. نعم، يشغل الحيض عقولنا كثيرا، على الأقل لمدة خمسة وثلاثين أو أربعين عاما، لكنه يشغل مساحة صغيرة جدا في مجال الفن. أتذكر في طفولتي أن ضمان الرجال للحديث عن أجسادهم، للتباهي بالانتصاب، لجعل النكات سخيفة أدهشني.
كان من المستحيل على المرأة أن تتحدث عن جسدها هكذا. هذا التأمين يخيفني. تم فصل النساء من جيلي عن الرجال في شبابهم. لم تكن المدارس مختلطة، لقد تعلمنا أن نخاف من الأولاد. في شبابي، ذهبت تلقائيا إلى أولئك الذين كانت ذكوريتهم أقل نمطية. لقد انجذبت إلى الأولاد الخجولين، المتعلمين، وحتى الشقر منهم. بدأ هذا النوع من الرجال أقل تهديدا لي. لكن في كثير من الأحيان كنت مخطئة. لأنهم في كثير من الأحيان ليسوا أقل هيمنة في علاقتهم مع النساء. أعتقد أن التحدي الرئيسي للنسوية اليوم هو جعل الرجال يسألون عن ثقافتهم الذكورية. في 1970، قاتلنا للحصول على احتياجاتنا، رغباتنا المعترف بها… لكن لا يزال يتعين علينا تغيير عقلية الرجال.
هذه الفكرة القائلة بأن الكتابة تنقذ التجارب البشرية من النسيان تبني عملك بالكامل، حتى تحتل المركز مع السنين. هل ظهر لك هذا من نصوصك الأولى؟
ليس تماما. عندما أبدأ الكتابة، فإن أهم شيء هو إنقاذ نفسي. عند كتابي الأول، «الخزائن الفارغة» 1974، لم أكن بعد استخدام مصطلح «حفظ» لكنني أعرف أنني مستأمنة على شيء يحتاج إلى أن أكشفه للجميع. أنا اتحدد من خلال هذا، الكتابة هي النزول إلى الوقائع الاجتماعية وترميم للذاكرة الاجتماعية، كما عبرت لي. وكما يذهب من خلالها أي شخص لهذه المسألة، لكن بعد ذلك أفهم أن هذا هو ما يجب عليّ القيام به.
أمام وعي هيمنة الذكور، متى أضفت هيمنة اجتماعية إليها؟
أنا مصممة على شيئين: الطبقة الاجتماعية والجندرة. يجب ألا ننسى الفصل. لقد اعتدت على تعرف على رجال من العالم الشعبي. في فترة المراهقة، جعلت العالم البورجوازي مثاليا. قبل أن أدرك أن الهيمنة الطبقية كانت تأخذ منعطفا أكثر ضررا، لكن ربما أعلى في العالم البورجوازي. على أي حال، أنتجت الطبقة الاجتماعية والجندرة نوعا من العار الذي كان علينا العمل للتخلص منه.. هذا هو نوع من موضوع رواية «ذاكرة الفتاة» في عام 2016. أحد الموضوعات المهمة لذاكرة الابنة هو أيضا مسألة الموافقة وعدم الموافقة، إنها تتساءل عما يجعلنا نوافق وما لا نوافق عليه… كان للرواية صدى معين لأنها صدرت في 2016 وأنها سبقت ظاهرة «مي تو»( MeToo ) لقد أصبحت تقريبا رمزا. منذ ذلك الحين، لقد تلقيت الكثير من النصوص التي تتحدث عن عدم الموافقة، الكثير من القصص من النساء اللواتي يحكين عن تجاربهن… لم اعتقد أبدا أنه سيكون لها هذا التأثير. أنا أكتب لكن أنا لا أرى أبعد من ذلك، وأنا لا أقيس ما يمكن أن يكون لها من تأثير في الآخرين.
كنا نتحدث في بداية المقابلة مع المديرين التنفيذيين للمخرجة أودري ديوان. كيف تؤطرين نفسك؟عند الكتابة ؟ كيف تبنين الجمل الخاصة بك؟
أنا أكتب بذاكرة العاطفة. أنا بحاجة لإحياء الأشياء. الكتابة هي الزهد، تفريغ للذات. والغوص في ذاكرتي الخصبة. عندما أكتب، كل صباح عليّ الغوص مرة أخرى. لا أستطيع فعل ذلك في المقهى. يجب أن أكون في مثل هذا الإعداد المعتاد الذي لا أستطيع رؤيته بعد الآن. حتى في مكاني. يجب أن يصبح الحاضر غير مرئي حتى أتمكن من رؤية ما تعيده الذاكرة مرة أخرى، حتى أتمكن من تجربتها مرة أخرى.
هل أنت حاسمة في الكتابة؟
لا، أنا لست حاسمة بالطبع. يتم وزن كل كلمة قبل كتابتها عندي.. يمكنني كتابة أربع أو خمس جمل بسرعة كبيرة، لكن بعد ذلك يمكنني اتباع فراغ كبير. كل كتاب يفرض إيقاعا عاما. كان عام (2008) مختلفا تماما. شعرت بأنني مقيدة بالوقت. رواية «الحدث» هي عكس ذلك. إنها تجربة الرعب والنضال ضد عصر الستينيات. نكتب عن التجارب، لكن الكتابة هي أيضا تجربة. عندما ينتهي الكتاب، أتخلص منه. لطالما فوجئت بأن الروائية مارغريت دوراس تستأنف قراءة نصوصها بعد نشرها. أنا، عندما ينتهي النص، أترك العالم الذي سمح لي بكتابته، ومن ثم لم يعد بإمكاني لمسه من جديد.
هل تعتقدين أننا يجب أن نتغير؟ أنك لم تعودي فتاة رواية «الحدث» على الإطلاق؟ ماذا فعلت السنوات في عبور ذاكرتك الاجتماعية؟
نعم، رهان السنوات هو كل ما مررت به من خلال الصور، والأغاني، والشعارات الإعلانية طوال هذه السنوات يمكن أن تكون سنوات للآخرين. أثناء الكتابة، أصبحت ممتلئة وأزهو بكل هذه الصور الداخلية التي عرضتها على نفسي.
كيف كان حضور الكاتبة فيرجينيا وولف في إرهاصات كتابتك الأولى؟
نعم ولا في الوقت نفسه. عندما كنت أكتب روايتي «السنوات» لم أقرأها بعد في ذلك الوقت. لكن «الأمواج» كانت كتابا ملهما رائعا من خلال طريقتها في مرافقة الشخصيات من الطفولة إلى الشيخوخة، وطريقتها في التعبير عن المونولوجات الداخلية. البناء غير عادي حقا، من المستحيل إعادة تشييده. إنه الزمن، إنها الحياة.
ما الذي يعنيه الكتاب الآخرون لك؟
الكاتب الفرنسي جورج بيريك. اكتشفت كتابه «الأشياء» في عام 1965، عندما صدر الكتاب. اعتقدت حقا أنني يجب أن أكتب بهذه الطريقة دائما على اتصال بالمجتمع. كان يتحدث عن حياة الناس اليومية. في ذلك الوقت، لم أعد الطالبة التي تحلم بأن تكون كاتبة في غرفتها الجامعية. كنت يدا بيد، أتدرب على بعد 40 كيلومترا من المنزل في مدرسة فنية. كان لديّ طفل بالفعل وكنت مشغولة بالتسوق والطبخ. لم تكن هذه سنوات سهلة، والتي سردتها في رواية «امرأة متجمدة» 1981. كان من المفترض أن يسمى هذا الكتاب «سنوات التعلم» لكن ناشري لم يرغب في ذلك. ربما تكون المرأة المجمدة عنوانا أكثر بلاغة. لكنني قصدت أنه لا توجد طبيعة أنثوية، وأنها كانت تدريبا مهنيا. أتذكر أن الوصف الذي قدمته مارغريت دوراس في «الحياة المادية» أزعجني. الآن يمكنني أن أتخيل أنه يمكننا الاستمتاع بإعداد الطعام، وأن النساء قد يكون لديهن علاقة أقوى في المنزل من الرجال.
قبل الكاتب جورج بيريك، هل تركت الرواية الجديدة انطباعا عليك؟
الرواية الجديدة كانت كتابي المقدس. سمح لي بأن أفهم أنه لا توجد طريقة واحدة للكتابة، وأنه يمكننا التشكيك في كل شيء. كنت طالبة في الآداب عندما اكتشفت كتاب «تعديل» للأديب ميشال بوتور ثم «عزلة غريبة» من قبل فيليب لوسير والكتابات الأولى للروائي لو كليزيو. كنت مهتمة جدا بالأخبار الأدبية لأنني أردت الكتابة. ثم اكتشفت الروائية ناتالي ساروتي، والكاتب ألان روب غرييه، والروائي والمسرحي روبير بنجيه… والكاتبة مارغريت دوراس. أود أن أقول أخيرا إن اكتشاف الرواية الجديدة كان تدريبا للكتابة بالنسبة لي.
لقد نما الاعتراف الكبير بعملك منذ ذلك الحين، على سبيل المثال، رواية «السنوات» ثم «ذاكرة الابنة». كيف تعيشينها الآن؟
ليس على ما يرام. أشعر بالحنين إلى الزمن الذي كنت فيه أكثر هدوءا. كنت معلمة حتى عمر الستين. كنت ملتزمة بهذه المهنة. رفضت السفر إلى الخارج من أجل كتبي لأنه لم يكن لديّ وقت، بين الفصول الدراسية والأطفال.. الآن أشعر بأنني محاصرة. يقدمون لي المزيد والمزيد من الأنشطة والمقابلات حول كل شيء والاجتماعات… يستغرق الأمر مني وقتا في الكتابة. أفتقد تلك الشواطئ الطويلة التي كنت أبنيها بصعوبة أقل. إن إصدار فيلمي المخرج دانييل أربيد والمخرجة أودري ديوان، على الرغم من أنني لم أشارك فيهما، يعرضني أمام وسائل الإعلام أكثر مما أود حقا.