-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

فى إيطاليا: معبد لمئذنة وصليب :نادين البدير

تلك المدينة يمكنها أن تفهمك بكل طرق الله دون أن ترهق حنجرتك لتثبت وجهة نظرك.. تفهمك بالإشارة، بالابتسامة، بالصمت أحيانا.. وكانت بدايات عهدى بالكنائس
التى لم أكن أرتادها من قبل سوى للسياحة، لكنى فى تلك الفترة صرت أصلى فيها كل الصلوات، أصلى وأشعر بغربة يرافقها شعور مناقض بالانتماء. فاجأنى القس بلغته، وفهم أنى لا أعرف الإيطالية، فاستخدم مبتسماً لغة الإشارة وإبهامه يتجه بحزم ناحية قدمى.
 المحرمات التى نشأت وسطها كانت تشرح إشارته كالتالى: أنثى.. ومسلمة.. فكيف تصلين هنا؟ 

ثم كرر تصويب إبهامه ناحية قدمى بطريقة بدت أكثر حزماً، نظرت للأرض واكتشفت أنى أقف على قبر، أزحت جسدى بقوة وسرعة وابتسمت له معتذرة: سامحنى بابتسامة، ثم عاد للإشارة متسائلا: من أين أنا؟ فقلت: من السعودية «وكنا وقتها فى جذوة أحداث الإرهاب».. كرر ابتسامته ومضى، ومضيت. وسرحت بابتسامته. وصار حضورى شبه منتظم حتى يوم سفرى.
صاحب القبر كان «أمريجو فيسبوتشى»، الذى سميت أمريكا على اسمه، ولو أنى بحثت عن قبره دون دليل ما وجدته، لكنى وجدته مصادفةً بتلك الكنيسة التاريخية بفلورنسا.
قبل حوالى عام، كتبت مقالاً فى «المصرى اليوم» يوم الجمعة عنوانه: «أين أصلى اليوم؟»، غبطت به تابعات الديانات الأخرى اللاتى يدخلن المعابد فى حين لا يسمح لى بدخول المسجد، وإن دخلته فى رمضان حشرونى بزاوية صغيرة بركن قصى لا أرى فيه أى طقوس. وقتها وصفنى الشيخ محمد النجيمى بالجاهل، وكرر وصفه قبل شهور ببرنامج الزميل عبدالله المديفر، لكن صفة الجهل لم تكف لتجيب عن السؤال. تكفير وشتائم من آخرين توالت تجاه ذاك المقال وأحدها لم يجب عن السؤال: فأين أصلى اليوم؟
بالنسبة لى، حللت المسألة منذ زمن، إذ كلما صادفت معبداً ورغبت بالصلاة دخلت وصليت.
صليت بالحرم المكى، وصليت بأغلب الكنائس التى صادفتها، وصليت بمعبد «بوذا» فى سريلانكا عمره آلاف الأعوام. من يقوى على نقدى؟
واكتشفت أن الدنيا كلها يمكنها أن تتحول لمعبد، وأن البحر الذى إلى جوارى يمكنه أن يكون سجادة صلاة تطفو دون أن تغرق حين أخرج من الوجود وأستغرق فى الصلاة، لكنى كنت أريد مسجدا أجتمع به مع الله. فأين أصلى؟
جاهلة، خارجة عن الملة.. المشايخ لا يملكون الأجوبة، لو امتلكوها لصرفوا الوقت بشرح الحل بدل تغطية جهلهم وقلة حجتهم بتوجيه التهم يمنى ويسرى. اعتراضهم الهش كان على اللفظ «معبد»، فالإسلام حسبما قالوا لا معابد فيه.
وقمت أقارن بين الشيخ وذلك القس بالكنيسة، حيث انتهكت حرمة القبر فابتسم لى مرحباً. التاريخ المسيحى لم يكن باسماً بل كان ملطخاً ملوثاً حتى حدثت الثورات. فلِمَ لا نكمل من حيث انقلب الأوروبى على الكنيسة؟ ولمَ البدء دائما من حيث بدأ الآخرون؟
أين ثوار الدين ؟ كل فتيل عنصرية وإرهاب مارسه السابقون وزرعه التابعون يحتاج لثورة. وكل كلمة تكفير كتبت بحق الداخل المسلم وبقية الأديان تحتاج لثورة. وكل دماغ مواطن أحرقته تفاسير تقول إن الآخر مشرك يحتاج لثورة.. إن لم تظهر هذه الثورات فلا تستبعدوا أن تحرق المساجد عما قريب، ولا تُسكنوا النفس بأن الإحراق كان فى زمن نظام انتهى. إن كان النظام قد سقط فالفكر باق ولم يسقط. بالنسبة لى، لا أشغل نفسى بالمتلاعبين. فأنا لا أقرأ كتب التفاسير، ولا أؤمن بالمفسرين، ولا أؤمن بضرورة تفسير القرآن. وأتمنى أن يسقط فكر الفتوى ويسقط المفسرون جميعاً فلم نأخذ منهم غير الابتعاد عن القرآن، كما لا أسمح لشيخ بأن يملى علىَّ رؤيته الخاصة فى الحياة، أما الأحاديث فهناك لغط كبير حولها.
لا تبحثوا عمن يفسر لكم الماورائيات. فقلوبكم هى كتاب التفسير الوحيد. ولا تفسروا الدين. اقرؤوا الكتب السماوية واجعلوها علاقة بينكم وبين الله دون وسيط أو صكوك، ولا تكترثوا إن منحكم أحدهم بركاته فأعلن تقواكم أو لعنكم فحلت عليكم صفة الكفر.. هكذا تكون الحياة أكثر سلاما.
فى مطار صقلية، غرفة جدرانها زجاجية، على طرفها لوحة رسم عليها مئذنة وصليب، المعبد متاح للمسلمين والمسيحيين. هناك يجمعهم معبد واحد وهنا تقتلهم حرائق السياسة وتفرقهم سماحة الشيوخ.
بمناسبة العام الجديد.. اسمعوا أجراس الكنائس وأذان الفجر، واجهدوا بالبحث عن الفروقات، لن تجدوها. فلنحتفل جميعنا بكل الأعياد. وعام سعيد للقراء والقارئات.. وكل عام وأنتم بخير

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا