نحن
، بخصوص سؤال الخروج البريطاني، أو البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي ، إزاء "طانغرام
صيني" حقيقي ،حير البريطانيين ،منذ مستهل انضمامهم إلى ما كان يسمى
"المجموعة
الاقتصادية الأوروبية "؛ سنة 1973.
استفتاء
1975،الذي أكد البقاء بنسبة %67,2؛ حسم الخلاف حتى داخل حزب العمال الذي ترأس الحكومة
عقب انتخابات1974.رغم دعم حكومة العمالي "هارولد ويلسون" للبقاء ضمن المجموعة،مسنودة
حتى من بعض المحافظين ،بزعامة "مارغريت تيتشر"؛فان مناضلي حزب العمال انقسموا
على أنفسهم بين قائل بالبقاء وقائل بالخروج ؛ومن هؤلاء الأخيرين حتى بعض أعضاء الحكومة. (من الخيمة خْرَج مايل ،حسب التعبير المغربي).
رغم
الإعلان العمالي ،سنة1983، عن الرغبة في الخروج من المجموعة الاقتصادية الأوروبية ؛فان
موقف الحزب تغير ،بعد هذا جذريا ،ليصبح مناديا بالبقاء. نفس موقف الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يعتبر
،إلى اليوم،أكبر الداعمين للبقاء.
إرهاصات
استفتاء 23 يونيه2016،ابتدأت بتاريخ يناير2013،حينما وعد "دافيد كامرون"
في حملته الانتخابية بإجراء استفتاء ،في الموضوع ، قبل سنة2017،إن أعيد انتخابه.
بفوز
المحافظين في الانتخابات التشريعية لسنة 2015،قويت حظوظ الخروج من الاتحاد الأوروبي؛إلى
درجة أن بعض الأبناك الكبرى (ألمانيا ،بريطانيا ) دخلت فعلا - وان سرا - في مرحلة تحليل الآثار المالية والاقتصادية
التي ستترتب عن "البريكست".
في هذا
السياق التوقعي ،أو التربصي،دخلت حكومة "كامرون" في مفاوضات مع مراكز القوى
الأوروبية لمعرفة الامتيازات التي ستحظى بها بريطانيا ،ضمن الاتحاد، ان اصطفت الحكومة
الى جانب المتشبثين بالاتحاد الأوروبي.(لا شيء مجانيا)
جاء
السند للحكومة البريطانية ،وهي تطالب ب"ريع" ما ،من شراسة نضال حزب استقلال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي UK Independence Party.
تأسس
هذا الحزب سنة 1993، على يد ALAN SKED، وأعضاء آخرين من
تحالف اللافدراليين.
هكذا
، وبتاريخ 19 فبراير 2016- بعد نقاش ماراطوني – تبنى المجلس الأوروبي مشروعا يقضي بتمتيع
المملكة المتحدة بوضعية خاصة ،ضمن الاتحاد، ان هي واصلت عضويتها.
رغم
هذا تقوى و تسارع إيقاع الانفصاليين: عمدة لندن BRIS JOHNSON،يعلن بتاريخ 21 فبراير2016
اصطفافه الى جانبهم. بتاريخ مارس
2016 تعززت صفوفهم بمدير غرفة التجارة البريطانية :JOHN LONGWORTH. أما قاصمة الظهر فقد جاءت مما أعلنته بعض
الصحف البريطانية (THE
SUN)،زاعمة أن الملكة "اليزابيت"
تساند " البريكست.
رغم
تكذيب قصر "برمنغهام" ،مؤكدا على حياد الملكة،فقد فعلت "الإشاعة"
فعلها في الأوساط البريطانية المحبة للملكة.
الإسقاطات
الاقتصادية للبريكست:
يؤكد NIGEL
FARAGE، زعيم حزب الاستقلال أن الخروج
من الاتحاد سيؤدي الى ازدهار الاقتصاد البريطاني ،ان "بلورت الحكومة سياسة صارمة
إزاء الهجرة الى بريطانيا".
من جهتها
أعلنت AIRBUS عن نيتها في مراجعة استثماراتها وسياستها الإنتاجية
،بالمملكة المتحدة، ان هي خرجت من الاتحاد.
أما FORD و BMW، فقد حذرتا ، من
جهتهما ،الحكومة البريطانية من الضرر الكبير الذي سيلحق الصناعة البريطانية ،إن هي
غادرت الاتحاد.
وعزفت
على نفس الإيقاع العديد من المنظمات ؛ وهي ترى الخروج مفقرا للاقتصاد البريطاني: يتم
الإدلاء هنا بخسارة الناتج الداخلي البريطاني الخام ل:2.23% في أفق 2030.
من جهتها
تقدر "كونفدرالية الصناعة البريطانية" ، أن انتماء بريطانيا للاتحاد الأوروبي
،يكسبها ربحا في ناتجها الداخلي الخام ،يصل الى :5%. يدفع رئيس الكونفدرالية
MIKE RAKEبعدم وجود أي بديل ،ذي مصداقية، أفضل من هذا.
في ما
يتعلق ببعض تفصيلات الوضع الاقتصادي – على المدى القريب – غِب مغادرة الاتحاد تدلي
الخزينة البريطانية ،وهي المسؤولة عن المال العام ، وبلورة السياسات الاقتصادية ،بإحصائيات
مقلقة:
خسارة
500.000 منصب شغل .تقهقر قيمة الجنيه ب12%.
انخفاض أسعار العقار ب10%.تناقص الرواتب الأساسية المتوسطة ب:3%.
لعل
هذا ما قصده "دافيد كامرون" بقوله:" سيواجه البريطانيون /يوم 23 يونيه،خيارا
واضحا:الأمن الاقتصادي ،إذا كان التصويت لصالح البقاء ؛أو القفز الى المجهول ،ويترتب
عته خسارة مناصب الشغل وارتفاع الأسعار".
على
المستوى الدولي ،حذرت مجموعة السبعة الكبار ، في قمة 2016 باليابان، من كون خروج بريطانيا
من الاتحاد الأوروبي سيحُد من المنحى التصاعدي للنمو الاقتصادي العالمي ،والاستثمارات
الدولية، وما تنتجه من فرص العمل.
ما أن
بدأت نتائج الاستفتاء الحالي في الظهور ،وبدا جليا فوز الانفصاليين ، حتى ارتجت الأسواق
المالية الآسيوية ،مسجلة ارتفاعا في قيمة الين الياباني وانخفاضا في قيمة الأورو.لعل
هذا راجع الى كون الأقطاب الكبار ،في عالم المال، ظلوا يعتقدون أن كفة البقاء ضمن الاتحاد
هي الراجحة.
أثر
الخروج على العلاقات الدولية:
يرى
وزير الخارجية النرويجية (2015) ، ودولته تنتمي إلى المجال الاقتصادي الأوروبي،دون
أن تكون عضوا،بأن خروج بريطانيا من الاتحاد سيضعف نفوذها الدبلوماسي، ومكانتها التفاوضية
التجارية .
أما
الرئيس الأمريكي "أوباما " فقد بنى رغبته في بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد ،
على مصلحة الولايات المتحدة؛لما لها من علاقات دبلوماسية ثابتة مع المملكة المتحدة.ونحا
هذا المنحى الوزير الأول الياباني.
ويرى
بعض الاقتصاديين أن خروج بريطانيا من الاتحاد ،لايجعلها في حِل من القرارات والتوجيهات
الأوروبية ،المرسمة ببريكسل ،إن هي رغبت في استمرار علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
من الناحية
العسكرية الدولية يرى JENS
STOLTENBERG الكاتب العام لحلف شمال الأطلسي ،أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
سيقوي جاب اللا استقرار في عالم يتعرض للمزيد من التهديدات.
وضعية
اسكتلندا وجبل طارق:
سيتطلب
وضع اسكتلندا الحالي ،بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، إجراء استفتاء ،بدورها ، حول بقائها
فيه أو خروجها منه. في حملة الاستفتاء حول الاستقلال عن بريطانيا ؛ووجه الانفصاليون
الاسكتلنديون ، من طرف دعاة الوحدة ،بكون الانفصال سيؤدي بهم إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي.
خروج
بريطانيا من الاتحاد أخرج منه استكتلاندا أيضا ؛وعليه فهي أمام إلزامية عرض خيار العودة
على مواطنيها.
بخصوص
جبل طارق اقترحت اسبانيا بتاريخ 7 يونيه – ليبقى الجبل ضمن الاتحاد الأوروبي،حال خروج
بريطانيا منه – تقاسم السلطة فيه بينها وبين بريطانيا.
آثار
الخروج على الاتحاد الأوروبي:
رغم
عوامل تخفيف وطء البريكست على الاتحاد؛والمتمثلة في كون بريطانيا غير معنية بفضاء "شنغن" ، وفي كونها لم تستبدل عملتها بالأورو ، إضافة إلى
عدم عضويتها في الاتحاد البنكي ؛ رغم كل هذا فدورها الاقتصادي داخل الاتحاد قوي ،ولا
يتفوق عليه غير الدور الألماني.
اللافت
للانتباه هنا كون خروج بريطانيا ، يتجاوب إلى حد كبير مع العديد من الأصوات الأوروبية
،والأحزاب الجديدة ذات التوجه الشعبي ،التي تطعن في العديد من سياسات الاتحاد ،وربما
حتى في العديد من "لا سياساته"؛
في عالم يتقوى ارتجاجه الاقتصادي والأمني يوما بعد يوم.
حضور
نقاش البيئة والمثلية:
بخصوص
البيئة تؤكد العديد من الدراسات أن قرارات الاتحاد الأوروبي في مجال الحفاظ على البيئة
،والحد من الانبعاثات الغازية ،أدت إلى تناقص كبير لنسب التلوث على مستوى الدول الأعضاء.
سيترتب
عن البريكست تحجيم المجال الجغرافي الذي تغطيه الالزامات البيئية. وربما سيكون ،أيضا، سببا في تراخي قبضة الاتحاد الأوروبي ؛التي كثيرا ما اشتكت منها حتى
حكومة حزب العمال البريطانية.
وأثير
في حملة الاستفتاء نقاش تباين التشريعات ،على مستوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي،
بخصوص القبول بالمثلية أو رفضها . في هذا الإطار طالب BORIS JOHNSON – ولعله سيخلف دافيد كامرون – بتشديد بريطانيا لقبضتها
على المثليين.
وماذا
عن المغرب ،بعد هذا الخروج الكبير؟
باعتبار
العلاقات التاريخية بين المملكتين ، على مدى ثمانية قرون؛وباعتبار التوجه الاقتصادي الإفريقي للمغرب ،وهو التوجه الذي تسانده
بريطانيا وتدعمه ؛ تأسيسا على تجربتها الراسخة في القارة الإفريقية.
وباعتبار
وضعية الميزان التجاري الحالي بين البلدين -13 مليار درهم :2012- الذي يسجل ارتفاعا
في صادرات المملكة المتحدة صوب المغرب ،بنسبة 40% :2014.
وباعتبار
الوجود المكثف والنشيط – منذ القدم- للكفاءات المغربية ، واليد العاملة، بالمملكة المتحدة.
فان
الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ،يجب ألا يظل مجرد خبر تتناقله وسائل إعلامنا
؛وكأنه لا يعنينا في شيء.
يجب
أن ينكب ساستنا واقتصاديونا على تحليل هذا الخروج ،ورصد آثاره على اقتصادنا.
ويجب
الانتباه إلى أن الاتحاد الأوربي ،الذي غادرته بريطانيا العظمى ،يقع منا على مرمى حجر
؛خصوصا ونحن نتبع منطقة الأورو التي يشكلها الاتحاد ؛بكل رجاتها واستقراراتها ؛وبكل
هواجسها.
وعلينا
أن نستعيد ،بخصوص سبتة ومليلية، الربط الملكي (المرحوم الحسن الثاني ) بين المطالبة
بهما رسميا ومطالبة اسبانيا باستعادة جبل طارق.
هاهي
اليوم تهم بجبلها ،فهل نهم بمدينتينا السليبتين؟
للسياسة
مواسم ،كالفلاحة؛ فهل نستفيد من كل مواسمها الدولية؟
Sidizekri.ahlablog.com