-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

فيلم – روائي وثائقي تاريخ الفوسفاط بالمغرب : مصطفى خـُــــلالْ


           نجح الثنائي المغربي محمد نضراني، ومليكة المنوك في خلق الحدث، هذه المرة في مجال السينما الوثائقية الروائية.
        (( على خطى الفوسفاط)) هو عنوان الفيلم الوثائقي الجديد للثنائي ، ارتكز أساسا على العمل القائم على البحث والتقصي،  بحث استغرق زمنا طويلا كي يستدرج التاريخ والثقافة والسياسة والمجتمع بكل أبعاده إلى حلبة الفرجة السينمائية الروائية ليتم تكثيف كل هذه الأبعاد في لحظة إبداعية أخاذة. كانت لحظة بداية الاستعمار، الاستعمار بوجهه المتعدد الأوجه. بسط الفيلم هذه اللحظة بإبداعية راقية، فنية وحكائية، سينمائية وروائية، بل وفكرية حتى. إنه عمل توثيقي تعتمده التوجهات السينمائية التى تحرص على  العرض الموضوعي، بعيدا عن التوصيف الإيديولوجي . من هنا اللجوء إلى بسط الوثائق التي تبدو في ندرتها، نتاجا لعمل مضن لم يكن غريبا على كاتب خَبَرَ من خلال وسائل تعبير أخرى شملت ((كتب الأشرطة المرسومة)) مثل محمد نضراني، ومن كتاب مشترك عن تجربة الاعتقال القسري الذي كان واحدا من ضحاياه في السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي، كتاب ((عاصمة الورود)) هناك حيث دفن شبابه سنين طويلة في معتقل قلعة مكونة الرهيب. وهو كتاب جظيت بقرائته لأكتشف أنه واحد من بين أمتع الأعمال التي غدت تُغْنِي أدب الاعتقال والتغييب القسري في المغرب وفي العالم.
     شمل التوثيق في الفيلم ((على خطى الفوسفاط)) هذا  الوثائق كمادة عارية  ، تماما  كما هي عند المؤرخ، لكنها هنا مصحوبة بالتصريح الناطق لشخصيات مسؤولة في إدارات مغربية، شرحت كيف تشكل مسار الفوسفاط المغربي، مثلما شملت عمالا من الجنسيتين معا، المغربية والفرنسية، عايشت واقعة تأسيس المكتب الشريف للفوسفاط، ولم يكن عمر إحداها يتجاوز الست سنوات عام 1930. واستعمل الفيلم الصورة الفوتوغرافية في سردية روائية موفقة لاسترجاع وقائع تاريخية على جانب كبير من الأهمية. فقد كانت القيادة الاستعمارية  في شخص المارشال ليوطي على جانب من الذكاء جعلها تفكر في تزكية استحواذها على الثروة الفوسفاطية التي كانت تمثل وبالتدرج ثروة للتداول التجاري  تعادل الثروة النفطية في البلدان البيترولية، تزكية تتبع فيها الروائي بالنص وبالصورة معا زيارة السلطان المغربي، في ذلك الزمن، للمنجم الفوسفاطي الناشىء الذي أقيم في أراضي قبائل أولاد عبدون بمنطقة الشاوية ورديغة، زيارة حرص المستعمر على تنظيمها من أجل منح نفسه تزكية شعبية يؤكدها حضور السلطان المغربي حتى تبدو سلطة الحماية وكأنها تنجز عملا وطنيا...
     يوثق الفيلم للتكون الجنيني للطبقة العاملة الفوسفاطية. وهي طبقة ستُسْتَقْطَبُ مكوناتها من كافة مناطق المغرب العميق، ستتفاعل مع المعطيات الخاصة بهذا المنجم الذي تم إنشاء وتأسيس كل شيء معه وبه وبالموازاة مع بداية وتطور إنتاجيته في الثلاثينات من القرن الماضي. ستنشأ معه النخبة المسيرة من المهندسين والتقنيين والإداريين والمسيرين. تحت إمرة هؤلاء كلهم تنشأ إذن الطبقة العاملة التي وثق الفيلم لتكونها الجنيني ثم لاتساعها الكمي ثم لتَشَكُل وعيها الذي سيتطور وسيتعمق إلى درجة أنه سيتفاعل إيجابيا مع كبريات القضايا الوطنية والقومية.
     ولم يفت مبدعي هذا الفيلم أن يشدا انتباه المتفرج إلى التحول الاجتماعي الذي سيطرأ على المنطقة محليا ووطنيا. فأرض الفلاحين ومربي الماشية الذين ستتم إزاحتهم بقوة السلطة، ستصبح أرضا منجمية مع كل ما يستتبع هذا التحول من تغير على المستوى الاجتماعي. ذلك أن مدينة لم تكن موجودة سَتُسْتَحْدَث هي مدينة ((خريبكة)) بحيين سكنيين مختلفين اختلافا جذريا، حي من الفيلات ذات الحدائق مع كنيستها وحديقتها العمومية ونمط حياة يخصها ومستشفى ومؤسسات تعليمية وبنايات ثقافية تستجيب لهذا النمط من الحياة الأوروبية الراقية. ويروي الفيلم بالمثل حياة حي العمال الذي أنشىء بالموازاة مع هذا كله. الحي العمالي هذا تكون من دور عادية لكنها شكلت منعطفا في حياة العمال الذين ستتقوى لديهم ميولات الاستقرار الذي كان يُفْتَقَدُ في كل مناسبة طارئة مثل مناسبة حلول فصل الحصاد، تماما مثلما ستشكل سكة الحديد بخطوطها وقاطراتها التي ستنقل الفوسفاط من المنجم إلى ميناء الدار البيضاء، تحولات أعمق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ...
      إنه تحول في المكان، وفي التربة، وفي الفضاء المحيط، وفي الزمن. هكذا تم القبض في الفيلم وبنجاح معتبر، على كل الأبعاد مجتمعة ومتراكبة ومتوازية، تكفي الفرجة الفاحصة المتتبعة لأطوار الفيلم للتأكد منها مثلما تكفي الكيفية التي استُقبل بها الفيلم عندما عُرِض عرضه الافتتاحي في مدينة خريبكة 19 ديسمبر 2017 خلال مهرجان الفيلم الوثائقي للتدليل على نجاح صاحبي الفيلم في إنجازه النجاح الذي تتطلبه شروط العمل السينمائيي...      
      نعم، يصح القول إن فيلم محمد نضراني ومليكة المنوك نجح في مساءلة أهم موضوع في عملهما هذا، إنه التاريخ وقد تم سرده سينمائيا. ذلك أن جزء من تاريخ المغرب، في مرحلة الاستعمار، وُضِعَ تحت ضوء النهار: علاقة الحماية الفرنسية بالمحميين ( الدولة والمجتمع المغربيين)، علاقة المغرب بالنخبة المسيرة، المغرب وما سميناه التشكل الجنيني للطبقة العمالية بمعظم تمظهراتها الاجتماعية و"الثقافية" والمعمارية والسياسية( النضال من أجل استعادة الاستقلال وعودة الملك المنفي  محمد الخامس من قبل هذه الحماية،)، المغرب واقتصاده في لحظة الحماية تلك إذ باكتشاف المنجم  وبالشروع في استغلاله، تم تأسيس مؤسسة (( المكتب الشريف للفوسفاط)) في غشت 1920 : لاحظ كلمة ((الشريف))، فمن خلال الحفاظ عليها حرص المستعمر على الحفاظ على نفس الكلمة الموجودة في تسمية الدولة المغربية( المملكة الشريفة) كما كان يسمى المغرب، كتلميح محرف للحقيقة فيتم الإيعاز أن الفوسفاط تستغله الدولة المغربية وليس القوى الاستعمارية...
          وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم سيعرض  في مهرجانات دولية ، بإفريقيا وكندا وهو ما يعطي إشارة دالة على قبوله سينمائيا وجماهيريا مما يجعلنا نهنىء مبدعيه بالنظر إلى توفيقهما  في إبداعه بالكلمة وبالصورة وبمستوى مرموق شمل الحكي والمخيلة معا والمستوى الفني السينمائي من المستوى الرفيع حذا بالمختصين في المجال منحه جائزة النقد والجمهور في الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة المنعقد في دجنبر 2016...


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا