-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ألكسندر نيهماس: الوجه الآخر لسقراط من منظور فريديريك نيتشه (1/2) ترجمة أحمد رباص

 طوال حياته، قاد نيتشه معركة فكرية ضد سقراط، الذي لم يبد له نفس الاحترام، ولا نفس الشغف اللذين أبداهما ل"معلميه" وعدويه الآخرين، شوبنهاور و فاغنر. لماذا؟ مما لا شك فيه أن نيتشه يشتبه في أن "دوغماتية" سقراط (وجهة نظر بحسبها يكون شكل واحد الحياة، الحياة على هدي العقل، صالحا للبشرية) لم تكن وجهة نظر سقراط نفسه ولكنه كان المصير الذي لا مفر منه لالتزام سقراط بهذا الشكل من الحياة بوصفه الأفضل لنفسه وربما أيضا لبعض الناس الآخرين الذين يشبهونه . هذا الموقف الأخير لا يختلف كثيرا عن "منظورية" نيتشه، واحتمال الاضطرار إلى الاعتراف في نهاية المطاف ليس بعدو، ولكن بمشارك في هذه الصورة التي عرفت بها الثقافة التي حاربها نيتشه طيلة حياته، جعل الأخير يبدو أقل أصالة مما يوحي به مظهره. والأهم من ذلك أن هذا أدى به إلى التشكيك في أن موقفه المنظوري، الذي وفقه يستطيع أفراد مختلفون أن يعيشوا شكلا مختلفا من أشكال الحياة، يمكن في الأخير أن يتم تبنيه على نحو دوغماتي وأن ينظر إليه على أنه استمرار للتقاليد العقائدية التي كان يتمنى كثيرا الابتعاد عنها.
يقول نيتشه في "Considérations inactuelles, III": هناك كاتب واحد فقط أضعه في نفس رتبة شوبنهاور اعتبارا لنزاهته ، وأنا أضعه أعلى من ذلك، انه مونطني. فأن يكتب حقا رجل بهذه الصفة ، عن فرحة العيش على الأرض يؤهله لاعتلائها. من جهتي، على الأقل، منذ أن عرفت هذه الروح، الأكثر حرية وقوة على الاطلاق، يجب علي أن أقول ما قاله مونطني عن بلوتارخ: "ما كدت أن ألقي عليه نظرة حتى (شعرت) بأن فخذا أو جناحا دفعني". انما معه سوف أرتبط، إذا كانت المهمة المفروضة علي هي التأقلم مع الأرض".
نيتشه، الذي لم تفرض عليه أبدا مهمة "التأقلم مع الأرض"، كتب هذه الأسطر في Schopenhauer éducateur (شوبنهاور مربيا)، الاعتبار الثالث من الConsidérations inactuelles (اعتبارات غير صحيحة)، أحد أعماله الأولى، من بين الأكثر روعة. ففي هذا الكتاب - وليس من قبيل المصادفة - أن نجد تبنيه الأول لشذرة من شعر بيندار : "تعلم، ثم صر كما أنت" : "الانسان الذي لا يريد أن يكون جزءا من الحشد ما عليه الا أن يكف عن الرضا عن نفسه؛ فليطع ضميره الذي يقول له: "كن نفسك! كل ما تفعله الآن، كل ما تفكر فيه وكل ما ترغب فيه لست أنت من يقوم به، فكر وارغب فيه". انتهى نيتشه الى تبسيط هذه الفكرة في صيغة رئيسية:" كيف نصير كما نحن؟ "(العنوان الفرعي لسيرته الذاتية الفكرية، Ecce Homo، هذا هو الانسان)، وهي صيغة واعية بالمهمة التي أناط فعلا بها نفسه: العمل على أن يصير تدريجيا الشخص الذي نعرفه اليوم بهذا الاسم.
رسميا، أريد لهذه المحاولة أن تكون تكريما لشوبنهاور الذي أظهر له، سواء من خلال نموذجه الشخصي أو من خلال نظرياته الفلسفية، كيف يباشر المصير الذي آل اليه حقا. ولكن هذا المؤلف هو، في الوقت نفسه، إعلان عن استقلال نيتشه عن قدوته ومعلمه. انتهى بالنظر إلى أن Considérations inactuelles لم تتناول مواضيعهما المختلفة، ولكنها تناولت موضوعا مختلفا تماما. كتب في Ecce Homo عن المحاولات الأربعة، قائلا انها "في العمق [...] لا تتحدث الا عن ذاتي. كتاب Wagner à Bayreuth (فاغنر في بيروث)، هو رؤية لمستقبلي. بالمقابل، فيSchopenhauer éducateur تندرج قصة حياتي ومصيري في وقت واحد. [...] في الحقيقة، ليس المراد هو"شوبنهاور مربيا"، ولكن نقيضه ، " نيتشه مربيا"، الذي يتحدث هنا ". المحاولة الرابعة، Richard Wagner à Bayreuth، هي الأكثر نقدا واتهاما، على الرغم من أنه من المستغرب بما فيه الكفاية، كون فاغنر لم يدركها على هذا النحو. وعلى الرغم من ذلك، فإن أيا من المحاولتين لا تترك أحدا يدرك بوضوح القوة التي سينقلب بها نيتشه في نهاية المطاف ضد "مربييه" الأولين.
غني عن البيان أن قوة نيتشه، في هذه النقطة كما في كل ما يتعلق به، ليست بلا حدود ولا تخلو من تناقض. فمن ناحية، يؤكد في إحدى مذكراته المنشورة بعد وفاته أنه "فيما يتعلق بالفكرة القائلة بأن تاريخ ظواهر الأخلاق في مجملها سوف يخضع لتبسيط بقدر ما يتصور شوبنهاور - الذي بالنسبة له يمكن أن نجد الرحمة هي أصل جميع الاتجاهات الأخلاقية السابقة - فقد قدر بلوغ هذه الدرجة من الحماقة والسذاجة لمفكر مجرد من أي حس تاريخي وهارب بأغرب طريقة من هذا التعلم المتين من التاريخ الذي تابعه الألمان من هيردر إلى هيجل ". من جهة أخرى، كتب أن شوبنهاور وهيغل، اللذين لا يحبهما أبدا، هما "أخان عدوان للفلسفة، بتوجههما نحو قطبي الروح الألمانية، ظهرا أن كليهما غير عادل تجاه الأخر كما بمقدور الاخوة وحدهم أن يكونوا". وحتى وان كان شوبنهاور "فيلسوفا حقيقيا" فقد اعتبر نيتشه رؤيته حول أولوية الإرادة مثل"الخرافة"، مثل التبني المبالغ فيه ل"حكم شعبي مسبق"، ناهيكم عن الاهانة في العبارات الأكثر قسوة ومرارة.
ومن بين عيوب فاغنر التي لا حصر لها، يذكر نيتشه أيضا أنه كان "كارثة كبيرة بالنسبة للموسيقى. في الموسيقى وجد وسيلة لإثارة أعصاب مرهقة - هكذا جعل الموسيقى مريضة". ومع ذلك نجده يفتخر بعلاقة الصداقة التي تربط بينهما، حيث كتب يقول: "[...] يجب أن أقول كلمة للتعبير عن امتناني لمن أعاد دائما وفي كل حين إنشائي بأكبر قدر من العمق والود. دون أي شك، هكذا كانت علاقتي الحميمة مع ريتشارد فاغنر. عشت حالات نادرة (من هذا القبيل) في سائر علاقاتي الأخرى بالرجال. مثل هذا الخليط من العداوة والكرم هو أمر بالغ الأهمية وبعيد عن أن يكون غير طبيعي عند نيتشه. وهذا يستحق التشديد عليه، لأننا سنلتقي قريبا بحالة أخرى مماثلة.
لا يذكر نيتشه في كثير من الأحيان مونطني، لكن وحدها قراءة الأخير استطاعت أن تكون مصدر إلهام له في بعض المقاطع من كتابات مرحلة النضج . في واحد من هذه المقاطع، يقول نيتشه: "تقريبا جميع الاعاقات الجسدية والعقلية للأفراد" مستمدة من كونهم "جاهلين" بالأشاء الأصغر حجما والأكثر تداولا في كل يوم. العالم يعلمنا أن نبتعد عن "الأشياء التي تلمسنا"، عن احاجاتنا الخاصة وعاداتنا، عن أنفسنا:
الكهنة والأساتذة والطموح السامي للمثاليين من جميع الأنواع، الخشنة والناعمة، يقنعون الطفل بالفعل أن ما يهم هو شيء آخر تماما: خلاص الروح، خدمة الدولة، تقدم العلم، وإما الجاه والممتلكات، كوسيلة لتقديم الخدمة للبشرية جمعاء، بدلا من اعتبار حاجات الفرد، ضروراته الكبيرة والصغيرة، خلال ساعات اليوم الأربعة وعشرين، شيئا حقيرا أو غير ذي بال".
"ليس لدينا هنا إلا صدى من الصفحة الأخيرة من كتاب Essais، حيث يكتب مونطني، كما فعل عدة مرات، أننا "نسعى إلى ظروف أخرى، حتى لا نفهم كيف تمر ظروفنا ونذهب خارج أنفسنا، حتى لا نعرف ما يقع فيها"؟ كان نيتشه على بينة من هذا التواطؤ: مونطني يمثل بالنسبة له، كما يكتب، "قسطا من الراحة في حد ذاته، ملاذا هادئا في حد ذاته، واستراحة لتنفس الصعداء." ثم قرب نيتشه مونطني من سقراط، الشيء الذي يعيدنا إلى موضوعنا:
سقراط دافع بالفعل عن نفسه بكل ما لديه من قوة ضد هذا الإهمال للانساني على حساب الإنسان، وكان يحب، من خلال اقتباس من هوميروس، أن يذكر بحدود وموضوع كل رعاية وتفكير: ذلك، كما قال ، هو فقط ما يحدث لي أنا من خير أوشر"".
يتبع


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا