بمزيج من الحزن والألم، تواصل المنظمة العربية لحقوق الإنسان متابعة التصعيد العسكري للاحتلال الإسرائيلي لجرائمه بحق المدنيين العزل في قطاع غزة المحتل وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي أدت يوم أمس لارتقاء 61 شهيداً من المدنيين الفلسطينين العزل خلال مسيرات العودة التي واكبت خطوة نقل السفارة الأمريكية لدى الاحتلال إلى مدينة القدس الفلسطينية المحتلة.
ووثقت الجماعات الحقوقية الفلسطينية استشهاد 61 مدنياً فلسطينياً بينهم 6 أطفال، ونحو 2700 جريحاً، بينهم نحو 40 جريحاً على حافة الاستشهاد، ونحو 80 آخرين في حالة حرجة، كما شملت الإصابات استهداف قوات الاحتلال الطواقم الطبية ما أدى إلى إلى إصابة 13 مسعفاً، والإعلامينن بما ادى لإصابة 7 صحفيين.
وتؤكد التقارير الموثقة التي أعدها الباحثون الميدانيون لمؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية أن أكثر من 230مدنياً فلسطينياً بما يشمل 40 شهيداً و190 جريحاً قد تم استهدافهم بالرصاص الحي في الجزء الأعلى من الجسد بما في ذلك الرأس والرقبة، وهو ما يؤكد توافر القصد الجنائي لجريمة القتل العمد.
كما تؤكد التقارير الفلسطينية والتي سبق أن أيدتها الأمم المتحدة أن قوات الاحتلال عمدت بشكل منهجي لقتل المتظاهرين، ففي الوقت الذي كان فيه المتظاهرون الفلسطينيون عزل من السلاح، تحصن جنود الاحتلال خلف السواتر الترابية العالية، وداخل فتحات محصنة ومجهزة.
وتعرب المنظمة عن عميق قلقها إزاء تقارير غير دقيقة وصفت سلوك قوات الاحتلال الإسرائيلي بأنه “استخدام للقوة المفرطة أو المميتة”، رغم أن هذا الوصف لا يشكل تهويناً من كون ما وقع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب ذات طابع جسيم تستوجب المساءلة والمحاسبة.
فيما تؤكد المنظمة أنه ووفقاً للتقارير الفلسطينية والمصادر الميدانية المباشرة، فإن ما ارتكبته قوات الاحتلال يتجاوز استخدام القوة المفرطة أو الميتة ويشكل جرائم قتل جماعي ذات طابع منهجي، ما يتجاوز فلسفة الاستهتار بالأرواح والسلامة البدنية للمتظاهرين.
ووفقاً لمبادئ القانون الإنساني الدولي وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 الخاصة بتنظيم قواعد حماية المدنيين وقت الحرب وتحت الاحتلال، فإن الاحتلال الإسرائيلي قد صعد من جرائمه العدوانية تجاه المدنيين تحت الاحتلال بالإضافة إلى مواصلته جرائم أخرى ذات طابع جسيم بشكل منهجي يومي، وهو ما يضع على عاتق المجتمع الدولي مسئولية قانونية وأخلاقية في تفعيل الاتفاقية وتأسيس آليات المساءلة والمحاسبة وفقاً للاتفاقية، وضمان منع إفلات الجناة من العقاب وإنهاء الحصانة الممنوحة دولياً للاحتلال.
إن مسئولية الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة تجاه حماية المدنيين في فلسطين المحتلة قد انعقدت قبل وقت طويل، ويعكس الواقع الراهن والتطورات المؤلمة الفشل الذريع للمجتمع الدولي في تطبيق الاتفاقية، وخاصة خلال المؤتمرين اللذين انعقدا عامي 1999 و2001، واللذين كذلك شكلا مقدمة لتقويض القانون الدولي ومنحا ما يمكن وصفه ب”تصريح بالقتل” لسلطات الاحتلال للمضي قدماً دون الامتثال لأحكام الاتفاقية وارتكاب سلسلة هائلة من جرائم الحرب.
وإذ ترحب المنظمة بقرار القيادة الفلسطينية الذي تأخر طويلاً باستخدام آلية المحكمة الجنائية الدولية التي تم تعطيلها عملياً عملياً منذ مارس/آذار 2015، عبر تقديم بلاغ رسمي ضد جريمة الاستيطان بطبيعتها كجريمة لا مواربة فيها، فإن فشل مجلس الأمن في استمرار التصدي للانتهاكات والجرائم الإسرائيلية يشكل عاملاً جوهرياً في تنحية أي اعتبار لدور المجتمع الدولي في تحمل مسئولياته السياسية والقانونية والأخلاقية.
وفشل النظام الدولي في إعادة الاعتبار لقواعد القانون الدولي يهدر كل حاجة لهذا النظام في القضية الفلسطينية وفي غيرها من القضايا والأزمات العالمية الأخرى، ويشكل مقدمة عملية منتجة لفناء نظام الأمم المتحدة.
إن فشل النظام الدولي في الانتصار لمنجزاته القانونية الرئيسية عبر 70 عاماً في الشأن الفلسطيني قد أدى عملياً لإهدار معايير وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وهو ما شكل تشجيعاً لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان عبر العالم الذين أدركوا حقيقة فشل هذا النظام طالما تمتعوا بحماية القوى الكبرى.
وتعود المسئولية الرئيسية في دعم حقوق الشعب الفلسطيني وفق الحد الأدنى الذي تسطره قرارات الأمم المتحدة على عاتق الحكومات العربية التي أخفقت في القيام بواجباتها في الانتصار للحقوق الفلسطينية وتوفير الدعم لصموده الملهم في وجه آلة الاحتلال الإسرائيلي الشرسة.
ولقد أكدت التجربة الماثلة خلال السنوات الثلاث الماضية أن انتكاس الأوضاع العربية والانشغال بالأزمات الداخلية لا يشكل مبرراً منطقياً للتحرك العربي الجاد لدعم الشعب الفلسطيني عبر الآليات القانونية الدولية وللمدى الذي توفره هذه الآليات.
ولقد سبق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان أن دعت الجامعة العربية خلال العدوان الإسرائيلي الواسع في صيف العام 2014 إلى إعداد مشروع قرار أممي لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة في يونيو/حزيران 1967 دون قيد أو شرط، والعمل على حشد وتعبئة الأطراف الدولية لمساندة هذا القرار واستصداره كملاذ أخير عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب صيغة “الاتحاد من أجل السلم”، ورغم تبني الجامعة العربية لهذا التوجه، إلا أنه جرى تجميد تفعيله عبر توقف لجنة الخبراء المكلفة بإعداده في منتصف العام 2015.
كما حثت المنظمة خلال السنوات الخمس الأخيرة النظام الرسمي العربي على دعم خطوات القيادة الفلسطينية بشكل مخلص وجاد لتعزيز خياراتها في اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية بفعالية، وإعادة طرح مشروع القرار الخاص بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، والحشد والتهيئة لانعقاد مؤتمر الدول لأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة لضمان تطبيق الاتفاقية على أراضي فلسطين المحتلة وتوفير الحماية للمدنيين، غير أن هذه الخيارات لم تلق اهتماماً كافياً في ضوء الفشل العربي في إقامة علاقات دولية ندية تتأسس على قاعدة المصالح المشتركة.
كذلك حثت المنظمة النظام الرسمي العربي على توفير الدعم الضروري للقيادة الفلسطينية للنظر جدياً في إنهاء حقبة أوسلو عبر إلغاء الاتفاق والحل الذاتي لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، أخذاً في الاعتبار تبعات هذا القرار على الأحوال المعيشية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وهو ما لم يأخذ حقه من الاهتمام.
إن الإخفاق العربي في القيام بجهود ممكنة لدفع المجتمع الدولي بصورة جدية لتحمل مسئولياته السياسية والقانونية والأخلاقية قد أتاح الانزلاق الأمريكي غير الأخلاقي إلى مساندة الاحتلال الإسرائيلي محاولة العصف بالحق الفلسطيني في القدس العربية الفلسطينية، ما يمثل نكبة أكبر للعرب تتواكب مع الذكرى الـ 70 للنكبة الفلسطينية في العام 1948، وحلول العام الـ51 لنكسة العام 1967.
وتؤكد المنظمة أن كل تراجع وتردد عربي عن استخدام خيارات القانون الدولي الممكنة سيؤدي حتماً إلى إتاحة المساحات لعدوان القوى الدولية والإقليمية، ولمزيد من الانهيار العربي الشامل الذي تتجلى صوره الكبرى في تحول بلدان المنطقة الرئيسية وإتاحة المساحات الممكنة لحروب الوكالة التي تتمثل في الحروب والنزاعات الأهلية وصراعات الأطراف الإقليمية قبل أن تتحول للساحة الأساسية للصراع الدولي في سياق مخاض ولادة نظام عالمي جديد.
وتطالب المنظمة الاجتماع الطارئ للجامعة العربية المرتقب يوم غد الأربعاء 16 مايو/آيار 2018 بما يلي – وعلى وجه السرعة:
- استئناف الجهود لإعداد مشروع قرار أممي لوضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المحتلة دون قيد أو شرط
- الدعوة لعقد مؤتمر طارئ للدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين الفلسطينيين ومساءلة وماحسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين
- الحشد والتعئبة لإعادة طرح مشروع القرار بحق دولة فلسطين في عضوية الأمم المتحدة
- توفير الدعم اللازم للسلطة الفلسطينية لتعزيز خياراتها في اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، وإعادة النظر في منظومة أوسلو
- تبني سياسة منسقة بشأن فرض إجراءات ذات طابع تدريجي في مجال العلاقة مع الحكومات التي تباشر بنقل سفاراتها لدى الاحتلال إلى القدس الفلسطينة المحتلة
- النظر بصورة جدية في سحب مبادرة السلام العربية، والتمسك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم والتعويض
- الاستثمار الجاد لفتوى محكمة العدل الدولية في العام 2004 التي تؤكد بطلان كافة الإجراءات المتخذة للتغيير الديموغرافي والاستيلاء على الأراضي، والسعي لاستصدار فتوى جديدة بشأن بطلان أي تحركات دولية للاعتراف بقرارات الاحتلال بضم مدينة القدس الفلسطينية المحتلة.