نقرأ من مقدمة الكتاب:
إن الكتابة عن العالم الروائي للكاتب
المغربي إبراهيم الحجري، هي مغامرة جميلة، مغامرة منفتحة على متخيله السردي، وعلى مجال
اشتغاله الروائي ضمن
فضاءات وجغرافيات متنوعة، ورؤى فكرية ذات وظائف جمالية ونقدية ومرجعية ذاتية وجمعية مشتركة مع أغلب الكتاب العرب الآخرين. هذه الكتابة التحليلية التي ارتأينا الدخول في غمارها لم تكن بالأمر الهين، خاصة أن الحجري في رواياته يختلف عن الكثير من الروائيين الذين قرأنا لهم (مغاربة أو غير مغاربة) من الناحية الأسلوبية، وكذلك من ناحية الاشتغال على الشكل وعلى الأبعاد الثقافية التي يريد الكاتب التطرق إليها والبحث فيها...
فمتابعة الأسئلة الموازية والعناصر
المسيطرة في روايات الحجري، سواء في خصوصياتها البنائي أم التيماتية/ الموضوعية،
وفي تداخلها مع أسئلة مختلفة في نصوص روائية أخرى... هي متابعة تبحث في أسباب
التحول الثقافي والاجتماعي في المجتمع وإدراك تجليات هذا التحول وآليات تفاعله
سياسياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً...
إن هذه المغامرة المنفتحة على كتابات
إبراهيم الحجري الروائية تهدف إلى وضع القارئ داخل أجواء النصوص الروائية، والعمل
على إبراز القضايا والرؤى التي ينشغل بها الكاتب، والتي يريد استدراج القارئ
لإدراك تلويناتها وامتداداتها الثقافية والسردية، وأبعادها الاجتماعية والثقافية
والدلالية، وسبلها الإيحائية والرمزية، وتأويلاتها المتعددة المستبعدة للانغلاق
والتقوقع والتضييق والغموض.
تتميز نصوص إبراهيم الحجري الروائية
بالمرونة التي تجعل منها أشكالاً وفضاءات نصية مفتوحة على التحول والامتداد
والحركية والتغير، بحيث تكون هذه المرونة وراء الدفع نحو توسيع فضاء التحليل
وتنويع طرق وأساليب الاشتغال على النصوص، من خلال بلورة أسئلة متنوعة مفتوحة على
التأويل والتأمل والتمعن والتأطير النقدي.
ونجد في روايات الحجري الكثير من الهوس
بالفضاءات الشعبية، والعشق اللامتناهي ببناء هذه الفضاءات، والاهتمام بتأثيثها...
فهي ليست مجرد أماكن شعبية عامة، بل هي أماكن لممارسة الطقوس والحياة بكل أشكالها
وتعدد أنماطها... الشيء الذي يمنحها قدراً من القدسية والرسمية والعمومية، فتكون
فضاءات لها من القدر والاحترام الكثير ضمن العديد من الرؤى والأفكار المختلفة عند
شخوص الروايات.
تقدم لنا روايات الحجري جزءً من المجتمع
المغربي ضمن نمط من أنماط الحياة والتفكير، من خلال نبش الذاكرة الجمعية والشخصية،
والحديث عن الشخوص التي تعجز عن القيام بأدوارها داخل المجتمع، فتركن إلى السلبية
والوحدة والعزلة والانتقام من الذات والمجتمع معاً، نتيجة وقوعها في أزمات نفسية
واجتماعية تؤدي إلى الإحباط والفشل في الحياة.
ومن ثمَّ، فإن الدراسات التي أنجزناها عن
روايات الحجري الخمسة، (صابون تازة، البوح العاري، العفاريت، رجل متعدد الوجوه،
فصوص الهوى) تكشف عن مستويات مختلفة ومتعالقة من المضامين والمواضيع
والتيمات والصور... وذلك من خلال الغنى التخييلي والدلالي القوي فيها، والأسئلة
المتعددة الجوانب التي أمكننا الإجابة عنها في هذه الدراسات...