-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

من قضايا التعليم رشيد سكري


كثير منا من يعقد مقارنات بين الأمس واليوم ، وكثير منا أيضا من ينتصر إلى حال تعليمنا في القديم ، بل إن السواد الأعظم منا من يتحسر على واقع منظومتنا التعليمية ، وما آلت إليه اليوم . تتقاذفنا مسارات شتى ، غير أنها تتوحد على مستوى سوء تدبير ملف التعليم من الأساس . إن منظومتنا التعليمية ، كباقي منظومات العالم ،  مرتبطة بالواقع الذي يعيشه المتمدرس والمدرس على حد سواء . فلا حديث عن تعليم جيد بمعزل عن أطراف فاعلة في هذه المنظومة ، التي تكون منشطرة بين المدرس و المتمدرس والمادة الدراسية أي المعرفة  ، التي تقدم كحلقة تؤلف بين الطرفين الأولين .

  فهذا المثلث البيداغوجي له امتدادات شرعية خارجه ، بمعنى أن ما يعيشه المتعلم خارج أسوار المدرسة قد يؤثر سلبا أو إيجابا على هذه اللحمة الديداكتيكية ، كما أن ما يحياه المدرس خارج هذه المنظومة ، قد يكون مؤثرا على مسار هذا التفاعل التعليمي . فالإقلاع الحقيقي والنهوض بهذا المثلث ، إذن ، هو شأن عام . بما هو ـ أي الإقلاع ـ يجب أن يخترق البنيات المجتمعية أفقيا ، فلا تعليم جيد وسط جماعة حضرية أو قروية فاشلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومفلسة أخلاقيا . وعلى هذا الأساس ، يكون تعليمنا بالوسط القروي أكثر تجسيدا لهذه العلاقة غير المتكافئة بين واقع منظومة التعليم والغايات المرجوة منها . إن تعليمنا بالوسط القروي محمول في نعشه الأخير ، و ما نشاهده اليوم ، يجسد ذلك السقوط المدوي المنتظر ، الذي يكشف عن سوء تدبير ملف التمدرس على مستوى المجالس المنتخبة ، التي تعاني ، هي الأخرى ، من نقص على مستوى الموارد المادية .

   وبهذا يكون إصلاح منظومتنا التعليمة مرتبطا شديدا بإصلاحات جذرية للموارد الأساسية ، التي يعتمد عليها التمدرس . لذا ففك العزلة ، مثلا ، عن العالم القروي ، يكون إحدى الخطوات الجريئة في الاتجاه الصحيح ، كما أن تزويد القرى و المداشر بالمستلزمات الضرورية أمر في غاية الأهمية ، ويظل عملا جوهريا يمس المتعلمَ في واقعه المعيشي . كما أن تقليص الفوارق المجالية بين القرية والمدينة ، بتدخل كل الأطراف المعنية من وزارة التجهيز و النقل واللوجستيك وغيرها ، يعد خدمة جليلة وحميدة يستفيد منها المتمدرس والمدرس بطريقة غير مباشرة .        

  علاوة على ذلك ، من بين أهم العوامل ، التي تسرع عملية السقوط المدوي ، منظومتنا الإعلامية التي يتردد عليها المتعلم ، فهي تعج ببرامجَ  حاطة من الفكر والقيم . ومن الملاحظ جدا أن اللغة العربية ، كوسيلة وظيفية ، كانت من بين الأشياء التي تأثرت ، كعنصر يندرج في منظومة  التواصل عند المتعلم ؛ وهذا ما انعكس سلبا على تعبيراته اللغوية . فالإعلام ، بهذا المستوى ، يجب أن يكون في مصاف منظومة التربية والتعليم ؛ لأن العامية بدأت تكتسح وتغزو ، بلا هوادة ، مجال التعبير عند المتعلم جراء إغراق البرامج التلفزية بالمسلسلات المدبلجة إلى العامية  .

  فضلا عن ذلك ، يعد استقرار المدرس كذلك شرطا مهما ينضاف إلى العوامل السابقة للرفع من مردودية التعليم وجودته ، واستقرار المدرس ، المادي والمعنوي ، هو استقرار للمجتمع ككل ، والضامن لنمائه وتطوره . ينجم عن هذا الاعتراف الشامل تجنب المنظومة ، ككل ، انحدارا خطيرا وفشلا ذريعا ، وبالتالي ، كنتيجة لذلك ، إحلال مراتب متأخرة في سلم ترتيب التعليم على  المستوى العالمي . ومن ثم فمن المفروض على الوزارة الوصية أن تعمل جاهدة ، كخيار استراتيجي ، على رعاية هذه الفئة النشيطة داخل المجتمع . وفي سبيل ذلك ، يجب العمل على إعلاء مجهوداتهم المبذولة ، بالرغم من الخلل الحاد ، الذي أزمن بمنظومتنا التعليمية .

  غير أنه ما شاهدناه ، عبر وسائط التواصل الاجتماعي ، لواقعة الأساتذة المتعاقدين بالرباط ، من إلحاق وإنزال بهم العنف والضرر الجسماني إلى درجة التنكيل والسحل في الشارع العام من طرف القوات العمومية ، هذا ما يتنافى والمواثيق الدولية ، التي وقع عليها المغرب كدولة ذات السيادة . فعند غياب ثقافة الحوار، و انتهاج سياسة الأذن الصماء يحل محله عدم الاستقرار والفوضى .

   فمن أجل السعي نحو الخروج من هذا النفق المظلم والمعتم ، والدفع بسفينة منظومتنا التعليمية ، كي ترسو في مرفإ آمن ، لابد من مد جسور التواصل بين الوزارة الوصية و الأساتذة المتضررين ؛ لإذابة كرة الثلج ، التي تحجب الرؤية  والتطلع نحو المستقبل . وفي هذا الصدد لنا أمل أن نتدارك ما فاتنا بخصوص التعثرات والكبوات التي لحقت تعليمنا العمومي ، والعودة به إلى جادة الصواب ؛ ليتقدم مغربنا ، ويلحق بالركب الحضاري ، أسوة بباقي الدول ، التي تعمل جاهدة على نصرة تعليمها ماديا ومعنويا . 

   فمادام هناك ضمائر حية و قلوب وجلة على مستقبل فلذات أكبادنا ، نأمل أن يستوطن  الخير الغد القريب . بالموازاة مع ذلك ، يصبح الأستاذ كالشمعة يحترق من أجل أن يرفع العتمة أمام ناشئة المستقبل .                                  

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا